الإدارة الأمريكية الجديدة والتوجهات المناهضة للإسلام

في ظل غياب المبررات السياسية والقانونية والعملية الكافية للمضي قدما في الإجراءات التي حاولت الإدارة الأمريكية الجديدة اتخاذها، سواء بحظر دخول مواطني 7 دول ذات أغلبية مسلمة، أو بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية بهدف تقييد حركة المنظمات الإسلامية النشطة في أمريكا، أو الإسلاميين حول العالم بشكل عام، وفق د. عمرو درّاج، رئيس المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، ووزير التخطيط والتعاون الدولي سابقا، فلابد من التساؤل عن الأسباب الدافعة لذلك رغم كل ما ترتب عليه من تعريض الإدارة الجديدة لحرج بالغ وهزائم قانونية واعتراضات مجتمعية، بل وصراعات وتجاذبات مع بعض مؤسسات الدولة خاصة المخابراتية والقضائية منها في شهرها الأول؟
لا يمكن إغفال أن العامل الأيديولوجي وما يعرف بالإسلاموفوبيا لدى ترامب ومعاونيه الرئيسيين تشكل الدافع الرئيس لهذه التوجهات، وهذا ظهر بشكل واضح في الكثير من تصريحات المسؤولين الأمريكيين الجدد، والمعبرة عن توجهاتهم وقناعاتهم منذ زمن ليس بالقصير.
يلقي “سكوت شين” و”ماثيو روزنبرج” و”إريك ليبتون” الضوء في مقال هام في صحيفة النيويورك تايمز تحت عنوان كاشف: “ترامب يدفع برؤية ظلامية حول الإسلام إلى مركز صناعة السياسات الأمريكية”، حول هذا التوجه سواء عند الرئيس ترامب نفسه منذ حملته الانتخابية التي أظهرت رؤية ظلامية لأمريكا تحت حصار ما يسمى “بالإسلام الراديكالي”.
فضلا عن أهم معاونيه وعلى رأسهم “مايك فلين” مستشار الأمن القومي (الذي قدم استقالته لاحقا) و”ستيف بانون” كبير المسئولين عن الاستراتيجية في البيت الأبيض، والعضو الثابت في مجلس الأمن القومي (وهي الميزة التي لم يحظى بها حتى وزير الدفاع ولا مدير المخابرات المركزية)، والمسؤول عن حملته الانتخابية للرئاسة عام 2016، وأقرب مستشاري ترامب إليه، والذي وصفته النيويورك تايمز أنه الرئيس الفعلي للولايات المتحدة، وأخرين، ممن ينتمون إلى المدرسة الجيوبوليتيكية التي تستعير مفهوم صدام الحضارات لهنتنجتون، وتتبنى المفاهيم التي يدعو إليها المؤرخ الأمريكي برنارد لويس بإظهار تهديد الإسلام للميراث الحضاري “اليهودي-المسيحي”، وتعرض الإسلام كأيديولوجية عدائية بالضرورة، وتخلط بين الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وبين الجماعات التي لا تتبنى العنف أساسا مثل الإخوان المسلمين، وفي بعض الأحيان بين 1.7 مليار مسلم يعيشون حول العالم.
لقد أصرَّ الرئيس ترامب على أن أمره الرئاسي الخاص بحظر الدخول ليس حظرا على المسلمين (رغم أن هذا ما كان قد وعد به بالفعل أثناء حملته الانتخابية)، إلا أن رودي جولياني، الحاكم الأسبق لولاية نيويورك وقت وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والذي كان أحد المرشحين المحتملين لوزارتي الخارجية والعدل في إدارة ترامب، ويعمل حاليا كمساعد للرئيس، وهو من أهم المعروف عنهم المواقف العدائية تجاه المسلمين، صرح بوضوح لقناة فوكس نيوز أن الرئيس كلفه بتشكيل لجنة لتفعيل حظر على دخول المسلمين بشكل يعمل قانونيا، وكان هذا هو أصل الأمر التنفيذي الرئاسي.
وهناك الكثير من الانتقادات الموجهة صراحة للإسلام كدين، وليس للإرهابيين فحسب، من قبل “مايك فلين” مستشار الأمن القومي المستقيل، فقد أصدر تغريدة تحتوي على فيديو مضاد للإسلام وقال فيها “أن الخوف من المسلمين هو شيء معقول”، وقال في مقابلة تلفزيونية أن “الإسلام ليس بالضرورة دينا، ولكنه نظام سياسي من ورائه عقيدة دينية”.
وقال أيضا أن “ما تغير هو مجيء هذا الشخص محمد، وبمنتهى الأمانة نحن نتعامل مع نص قديم لا يساعد مجتمعا يعيش عليه، ولا يمكنه أن يتوافق مع الحداثة”، وأن “المدعوين بعلماء الإسلام يوجهون رسائل معقدة لخلق الفوضى وإمكانية التحكم، وبينما كان بول بوت وستالين وموسوليني واضحين، فإن الشريعة هي قانون عنيف مختفي أسفل قناعات بربرية”، وأنهم “يريدون فرض نظام عالمي مبني على نسختهم من الشريعة والتي تنكر حريات الفكر والاختيار والحريات الأخرى”، وأن “المسلمين يريدون تطبيق قانون الشريعة باستخدام نظامنا القانوني لتقوية ما يؤمن الكثيرون من الأمريكيين بأنه قانون ديني عنيف ليس له مكان في الولايات المتحدة”.
أما ستيف بانون، أكثر الأشخاص تأثيرا في إدارة ترامب، فيبدو دوره في التوجهات الأمريكية الجديدة بشكل أكثر عمقا، فقد قال من قبل في اجتماع بالفاتيكان عام 2014، أن الغرب المسيحي اليهودي في حرب مع الإسلام وأنه في أزمة و”نحن في المراحل المبكرة من صراع وحشي دموي” وقد جمع تشارلز أنتوني الكثير مما قاله بانون، موثقا، في هذا المضمار.
فعلى سبيل المثال قال بانون في برنامجه الإذاعي على راديو موقع أخبار بريتبارت اليميني الشعبوي الذي كان يديره، أن “الإسلام ليس دين سلام وإنما دين خضوع”، وحذر من نفوذ المسلمين في أوروبا حيث قال: “بصراحة مفزعه، المسيحية تموت في أوروبا والإسلام في صعود”.
ويذكر أنتوني بأن بانون هو كاتب سيناريو فيلم “الولايات الإسلامية الأمريكية”، ويقول أن ما يقوم به بانون في الأسابيع الأولى للإدارة الأمريكية “سيؤدي إلى عاصفة قوية من الإسلاموفوبيا سيكون لها تبعات كارثية على المجتمع المسلم الأمريكي”.
و نظرا لخطورة ما يقوله بانون، ولأهمية موقعه بالقرب من ترامب، ولأنه أصبح يتحكم حتى في التعيينات الأساسية في الإدارة، فقد قام جوين جيلفورد ونيخيل سونّاد بنشر دراسة مطولة ومتميزة بعنوان: “ماذا يريد ستيف بانون حقيقة؟”، وهي تصل بوضوح لموقع الإسلام في الاستراتيجية التي تنفذها الإدارة الأمريكية حاليا. وتقول الدراسة أن مؤيدي دونالد ترامب وحزبه وحتى هو لا يعرفون ما يريده ترامب لأمريكا، ولذلك فإن الشخص المناسب لاستكشاف أرائه بخصوص ذلك هو ستيف بانون والذي نجح حسب الدراسة في إقامة علاقة مع ترامب جعلته المدبر الأول للاستراتيجية الشعبوية التي أوصلت ترامب للبيت الأبيض.
وتقول الدراسة أن فلسفة بانون تتمحور حول أن أمريكا وأي بلد غربي أخر لكي ينجح، يجب عليه علاج الأزمات المتعلقة بثلاث أمور رئيسية: أزمة الرأسماليه، أزمة القومية وأزمة القيم المسيحية اليهودية، وأن هذه الأمور هي التي تشكل فلسفة الحركة الشعبوية المسماة “حفل الشاي”، وأن الأزمات التي تحيط بهذه الأمور الثلاث تحتاج خوض صراع عنيف يؤدي إلى حلها، وإذا كان هذا الصراع بالضرورة حربا مسلحة واسعة النطاق، فينبغي على بانون البحث عن عدو للدخول معه في صراع وجودي، وقد قال بانون بالفعل في الفاتيكان، بمنتهى الوضوح، عام 2014 “أعتقد أننا في أزمة تقويض الرأسمالية، وفوق هذا أعتقد أننا في المراحل الأولى من حرب عالمية ضد الإسلام الفاشي”.
وتصل الدراسة السابق ذكرها إلى استنتاج مؤداه أن الأسبوعين الأولين من إدارة ترامب يعكسان بوضوح أن قيادة الرئيس ترتكز على تدعيم واضح من نظرة بانون للعالم؛ صحيح أن الأوامر التنفيذية الصادرة قد تكون مجرد تحشيد للشعبوية والتأييد للإدارة الجديدة، إلا أنه من الوارد جدا أن يكون بانون موجها لترامب نحو رؤية “الرأسمالية المستنيرة، ذات البعد القومي المسيحي اليهودي” والتي يعتقد أن أمريكا تحتاجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *