الزراعة والصناعة ورهان التقدم في التجربة المغربية عبد الصمد إيشن

تحقيق السيادة الغذائية للوصول إلى السيادة الفلاحية إحدى الدروس المستخلصة من أزمة كورونا، وتندرج ضمن الرؤية الاستراتيجية الواردة في خطابات الملك بخصوص تعزيز المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية..

 

تعتبر التنمية بالمغرب مسلسلا مركبا ومتجانسا لا يمكن أن نفصل حلقاته عن بعضها البعض. فالتنمية الاقتصادية مرتبطة بالتنمية الصناعة وبالتنمية الفلاحية والزراعية كذلك.

لكي تتضح الصورة للقارئ لابد أن يتتبع هذا المثال الذي سنورده، إذ عندما يقتني أي مواطن الخضر والفواكه فإن الأمر يعتبر نتيجة لعملية طويلة تنطلق من أرض صالحة للزراعة ثم بذور وظروف زراعية مناسبة خاصة تيسر عملية السقي والري، ثم عمليات الجني والتسويق المعتمدة. وهذه المراحل لا يمكن أن تكون ذات فعالية ملائمة تلبي حاجيات 40 مليون مغربي، دون اللجوء لعمليات تطوير واستفادة من الصناعة والبحث العلمي بشكل مستمر.

ونتيجة تكامل القطاع الفلاحي والزراعي مع القطاعي الصناعة وقطاع البحث العلمي لا يمكن إلا أن تكون مرضية جدا وذات فعالية قصوى. مما سيبلور نموذج مغربي في التنمية يعطي انطباعا متميزا لدى مواطنيه ومقاولاته وكافة الفاعلين.

وفي هذا الصدد لكي يحقق المغرب اكتفاءه الذاتي من الخضر والفواكه وكل المنتوجات اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي أو السيادة الغذائية، لابد من تحقيق التوازن بين المؤهلات الترابية المتوفرة، فهناك زراعات ملائمة لمناخ المغرب وزراعات أخرى يجب تشجيعها للوصول إلى مستوى أعلى من الإنتاج في ظل وجود مؤهلات، لكن هناك زراعات أخرى لا يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي فيها، مثل الحبوب، فهناك حوالي 4.5 ملايين هكتار من الحبوب من أصل 9 ملايين هكتار في المجموع، كما أن حصة الحبوب في المناطق السقوية تناهز 300 ألف هكتار، وهي مخصصة للبذور أساساً؛ لذلك لا يمكن أن نزرع أكثر. في آخر المطاف يبقى الفلاح حراً، لكن إن وضع أمام خيارات الزيتون والبواكر من جهة، والحبوب من جهة أخرى، سيختار الأولى لأنها مدرة للدخل أكثر.

وتزرع الحبوب في المناطق البورية، لذلك تبقى إنتاجيتها خاضعة للتساقطات المطرية، لكننا نعمل في هذا الصدد على اعتماد التقنيات والبذور المناسبة لتنمو أسرع ما يمكن مع أولى التساقطات المطرية؛ لكن في غياب هذه الأخيرة نصبح أمام إشكالية.

وبخصوص إنتاج الزيتون سنشهد ارتفاعاً كبيراً في السنوات المقبلة، والأمر نفسه بالنسبة للتمور والخروب والورديات؛ وهي سلاسل يمكن أن نحقق فيها اكتفاء أو إنتاجاً أكبر يغطي الحاجيات بنسبة أعلى. وبالنسبة للسكر نصل إلى سقف 60 ألف هكتار، وهي مساحة تنتج ما بين 60 إلى 70 في المائة من الحاجيات الوطنية إذا كان السقي متوفراً. أكثر من ذلك لا يمكن، وإن حدث فسيكون على حساب زراعات أخرى.

هناك زراعات أخرى لا نحقق فيها الاكتفاء الذاتي، مثل النباتات الزيتية التي نستوردها بشكل كامل، بحيث كانت لها مكانة في السابق، خصوصاً عباد الشمس، في كل من مكناس والغرب، إلا أن الإشكال أنها مناطق بورية تخضع للتغيرات المناخية. لكن التفكير جار بخصوص إدخال السوجا ضمن المناطق المسقية، باعتبارها زراعة صيفية تتطلب ثلاثة أشهر فقط.

إجمالاً يحاول المغرب أن يحقق التوازن بين الموارد المتاحة لتوفير المزروعات المهمة جداً والمزروعات الأخرى التي يمكن استيرادها.

ويتضمن مخطط المغرب الأخضر شقاً يهتم باستدامة التنمية الفلاحية ونجاعة سلاسل الإنتاج من خلال ضبط المنظومة الزراعية وكمية المياه المستعملة، وتشجيع اقتصاد الماء وتعزيز الموارد المائية المستدامة واستعمال التكنولوجيا الجديدة، والاهتمام أكثر بالتربة، بهدف تحقيق التأقلم مع التقلبات المناخية. ولمعالجة إشكالية التسويق لدينا إصلاح جد هيكلي ومهم مرتبط بأسواق الجملة وشبكات التوزيع… كل ذلك من أجل تحقيق السيادة الغذائية للوصول إلى السيادة الفلاحية، وهي إحدى الدروس المستخلصة من أزمة كورونا، وتندرج ضمن الرؤية الإستراتيجية الواردة في خطابات الملك بخصوص تعزيز المخزون الإستراتيجي من المواد الغذائية.

تُواجه الفلاحة المغربية تحديات كبيرة في المستقبل رغم النتائج الإيجابية التي حققتها في السنوات الأخيرة، والتي تعززت بإطلاق مخطط “المغرب الأخضر”، الذي كان له الفضل في تحقيق القيمة المضافة للفلاحة نمواً مستداماً خلال السنوات الماضية.

لكن حجم التحديات المرتبطة بمسلسل التنمية الفلاحية والزراعية بالمغرب كبيرة، وحسب تقرير صادر عن مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، فإن أهم تحد يواجه الفلاحة بالمغرب هو استدامة نموذج التنمية الفلاحي في مواجهة ظاهرة التغير المناخي وآثارها المدمرة على القواعد الإنتاجية للفلاحة.

وأشار التقرير إلى أن سياسة المياه والري في المغرب تتطلب التعزيز لمواجهة نُدرة المياه، كما تستوجب أيضاً دمج الإنتاج الفلاحي مع قطاع الصناعة الزراعية وتنفيذ مقتضيات البرنامج القطاعي الذي وقع سنة 2017 من أجل ضمان تطابق بين العرض الفلاحي والطلب الصناعي الفلاحي.

ويرى معدو التقرير أن التنافس الدولي يُحتم تعزيز الخدمات اللوجستيكية للفلاحة عن طريق إنشاء شبكة من المنصات للتصدير وترتيب الأسواق ذات الأولوية في إفريقيا وأوروبا وروسيا وأمريكا الشمالية.

تحد آخر يورده التقرير يكمن في تعزيز دور الفلاحة في التنمية القروية؛ وذلك يتأتى من تقارب السياسات العمومية في ما يخص البنية التحتية للنقل والصناعة الفلاحية والتعليم والصحة. ومن شأن هذا الأمر خلق فرص العمل، وبالتالي التخفيف من الهجرة من القرى إلى الحواضر.

وتفيد معطيات التقرير بأن قطاع الفلاحة بالمغرب أصبح يشغل 4 ملايين من الأشخاص سنة 2017، أي ما يمثل 38.7 في المائة من الساكنة النشيطة، كما أورد أن القيمة المضافة الفلاحية عرفت نمواً مستداماً منذ إطلاق مخطط “المغرب الأخضر”. وبلغ متوسط معدل النمو السنوي لهذه القيمة المضافة 6 في المائة خلال الفترة الممتدة من 2008 إلى 2017.

وموازاةً مع هذا التحسن في القيمة المضافة والإنتاج أيضاً، تم تعزيز شمولية السياسة الفلاحية من خلال الانتهاء من 215 مشروعاً لاستثمار ما يقرب من 2.1 مليار درهم في إطار الدعامة الثانية لمخطط “المغرب الأخضر”.

 

المغرب بلد بمؤهلات طبيعية وبشرية ذات كفاءة مرتفعة، لا يمكن أن نصل للمطلوب إلا بتفعيل مخطط متكامل من تشجيع الخبرة الصناعية والعلمية والتكنولوجية في قطاعي الفلاحة والزراعة بالمغرب، لكي نصل للمستوى المطلوب في تحقيق أمننا الغذائي وسيادتنا الغذائية كذلك

 

وزاد الاستثمار العام في القطاع الفلاحي أكثر من ثلاثة أضعاف خلال الفترة 2008 و2016 من 3.1 إلى 9.9 مليارات درهم بمعدل نمو سنوي بلغ حوالي 14.4 في المائة. أما الدعم المقدم للقطاع الخاص فانتقل من مليار درهم إلى 33 مليار درهم.

خلاصة القول، المغرب بلد بمؤهلات طبيعية وبشرية ذات كفاءة مرتفعة، لا يمكن أن نصل للمطلوب إلا بتفعيل مخطط متكامل من تشجيع الخبرة الصناعية والعلمية والتكنولوجية في قطاعي الفلاحة والزراعة بالمغرب، لكي نصل للمستوى المطلوب في تحقيق أمننا الغذائي وسيادتنا الغذائية كذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *