لماذا اخترنا الملف؟

الصحابة رضي الله عنهم هم حجر الزاوية فى بناء صرح الأمة المسلمة، فعنهم تلقينا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهم “الذين بذلوا الأموال والمهج، وتفرقت دماؤهم فى المعارك والأقطار، يَذُبُّون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفعون راية لا إله إلا الله، حَتَّى استنارت المعمورة بدعوة الإسلام، واندحر الكفر والشرك وباء بالخسران، وحفظوا لهذه الأمة كتاب ربَّها وسنة نبيها وكانوا أحق الناس بكلمة التقوى وأهلها”؛ فالغض من شأنهم والتحقير لهم، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الاعتبار لا يتفق والمركز السامى الذي تبوءوه، ولا يوائم المهمـة لكبرى التى انتدبهم الله تعالى لها ونهضوا بها؛ كما أن الطعن فيهم وتجريحهم يقوض دعائم الشريعة، ويشكك فى صحة القرآن، ويضيع الثقة بسنة سيد الأنام! فضلاَ عن أنه تجريح وقدح فيمن بوأهم الله تعالى تلك المكانة، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس.
فطوبى لمن أحبهم، وسلك سبيلهم، وترضى عنهم، ويا ويل من أبغضهم أو أبغض بعضهم، فذلك من علامات الخزي، وأمارات الخيبة والخسران.
قال الطبري رحمه الله تعالى في الرياض النضرة: “فالسعيد من تولى جملتهم، ولَمْ يفرق بين أحد منهم، واهتدى بهديهم، وتمسك بحبلهم، والشقى من تعرض للخوض فيما شجر بينهم، واقتحم خطر التفريق بينهم، وأتبع نفسه هواها فى سب أحد منهم، فله الحمد والمنة أن أعاذنا من ذلك، ونسأله دوام نعمته وتمامها آمين”.
قال التباني المغربي: على أن مبغضهم ومنتقدهم نابح الكواكب النيرات وناطح الجبال الثابتات.
فَما العِزُّ للإِسْلاَم إِلاَّ بِظِلَّمهمْ *** وَمَا الْمَجْدُ إِلاَّ مَا بَنَوْه فَشَيَّدُوا
(إتحاف ذوى النجابة بما فى القرآن والسنة من فضائل الصحابة).
وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة تشهد على عدالتهم، وورضى الله عنهم؛ ويكفيهم شرفاً وفخراً أنهم صحبوا خير من وطئ الحصا وناصروه؛ ونقلوا القرآن والسنة إلى من بعدهم، فكانوا هم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين من جاء بعدهم، ولو لم يكونوا عدولاً لما حصلت الثقة بنقلهم للقرآن الكريم ولا للسنة النبوية، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
ولشرف منزلتهم ومكانتهم؛ والمهمة السامية التي انتدبهم الله لها، بات من المقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع حب الصحابة من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، واعتقاد فضيلتهم وصدقهم؛ والترحم على صغيرهم وكبيرهم؛ أولهم وآخرهم؛ وصيانة أعراضهم وحُرُماتهم.
وأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق؛ ثم عمر بن الخطاب؛ ثم عثمان؛ ثم علي؛ ثم بقية العشرة المبشَّرين بالجَنة، ثم من شَهِدَ معركة بدر، ثم من شهد بيعة الرضوان تحت الشجرة في الحديبية، ثم من أسلم قبل فتح مكّة من الصحابة، ثم من أسلم بعد فتح مكة من الصحابة.
ومن منهج أهل السنة والجماعة أيضا الإمساك عن ذكر هفوات الصحابة وعدم تتبع زلاتهم والخوض فيما شجر بينهم، قال صلى الله عليه وسلم: “إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسِكو، وإذا ذُكِرَ النجوم فأمسكو، وإذا ذُكِرَ القَدَرُ فأمسكو”. (أخرجه الطبراني في الكبير (2/78/2)، وأبو نعيم في الحلية (4/108)، وغيرهما؛ انظر السلسلة الصحيحة برقم:34)، وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تسبو أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل اُحُدٍ ذهباً ما أدرك مُدّ أحدِهم ولا نصِيفَه” البخاري.
قال شيخ الإسلام: “نحن لم نُؤمر بما سبق وإنما أُمرنا بالاستغفار لهم ومحبّتهم ونشر محاسنهم وفضائلهم، وإذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلا بدَّ من الذبِّ عنهم، وذكرِ ما يبطل حجته بعلم وعدل” (منهاج السنة 6/254).
غير أن كثيراً ممن استحوذ عليهم الشيطان، وممن نذروا أنفسهم للنيل من هذا الدين العظيم لم يَرُق لهم هذا التكريم لصحابة رسول الله الكريم؛ فعمدوا إلى الطعن فيهم والتشكيك في عدالتهم وصدق جهادهم؛ فكالوا لهم التهم التي لا تقوم على أساس، ووسموهم بأقذع الأوصاف والصفات؛ وقصدهم من وراء ذلك الطعن التوطئة لهدم الإسلام، لأنهم يدركون جيدا أن إسقاط رواة القرآن والسنة إسقاط للدين في الجملة.
وهو الأمر الذي أدركه أبو زرعة الرازي فقال موضحا حالهم كاشفا قصدهم: “إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق والقرآن حق وما جاء به حق؛ وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة رضي الله عنهم؛ وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة؛ والجرح بهم أولى؛ وهم زنادقة” (الكفاية في علم الرواية).
وقال إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله: “إنّما هؤلاء أقوامٌ أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه، حتى يُقال رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحون”.
لهذا كله حق على كل مسلم غيور على كتاب ربه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدافع على تلك النخبة الطاهرة الذين لولا جهادهم وإخلاصهم وأمانتهم لما نعمنا بنعمة الإسلام، وأن يساهم ولو بمحبتهم والدعاء لهم في حفظ الشريعة وتعاليم الدين، فنحن مدينون لهم بالكثير الكثير؛ ومساهمة من جريدة السبيل في الذب على العقيدة الصحيحة؛ وإبراز دور الصحابة الكرام في تبليغ الشريعة صافية نقية كما تلقوها؛ وكشف الطوائف والنحل التي انحرفت في هذا الباب؛ ارتأت الجريدة فتح هذا الملف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *