أتوجه بهذه المقالة إلى السادة العلماء في المجلس العلمي الأعلى والمجالس الإقليمية والرابطة المحمدية وغيرهم ممن لا ينقضي عجبي من سكوتهم الغريب المريب حول قضية إغلاق قرابة 70 دارا للقرآن تعمل في إطار قانون الجمعيات، وتؤطر آلاف المواطنين، وتقدم لهم أجل الخدمات وأنفعها: تقريب القرآن الكريم تحفيظا وتعليما وتفسيرا.
وقد علم السادة العلماء حجم وأهمية الأنشطة التي تخدم كتاب الله؛ كيف لا وهم يقرؤون قول الله تعالى: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}، وغيره من النصوص الموجبة للعناية بالقرآن الكريم من حيث تحكيمه ونشر تعليمه على أوسع نطاق، وتيسير أسباب ذلك، وتشجيع كل من يقوم به، وإعانته بالقول والفعل قدر المستطاع {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وقال عز من قائل: {وتعاونوا على البر والتقوى}.
كما أن من تمام ذلك الواجب أن يقف العلماء في وجه كل ما من شأنه أن يحجم أنشطة تعليم القرآن الكريم في المجتمع ويضيق عليها، وإذا أخطأ رجل السياسة فصدر عنه شيء من ذلك، وجب على رجل العلم أن ينبهه وينصحه.
فمهما عذركم الناس في سكوتكم عن بعض التجاوزات تأولا وتقديرا للمصالح والمفاسد، فإنه لا يمكن قبول سكوتكم عن هذه النازلة الدهماء التي حلت ببلدنا؛ حيث منع الآلاف من المواطنين من مختلف الشرائح والأعمار من خدمات الجمعيات القرآنية التي تربطهم بكتاب الله.
وليت شعري كيف ينتفض المجلس العلمي الأعلى لِما سمي فتوى زواج الصغيرة مع أنه لا يترتب عليها في الواقع شيء يذكر، ولا ينبس ببنت شفه في إنكار إغلاق أزيد من خمس وستين دارا للقرآن، وما ترتب على ذلك من الإضرار البليغ بآلاف من المغاربة.
ما السبب؟
إذا كان السبب عندكم هو تبعية تلك الجمعيات للشيخ المغراوي فقد علمتم عدم صحة ذلك حيث أنها مستقلة عنه، ولا يلزمها رأيه الفقهي.
وإذا ثبت أنها تقول بقوله، فقد علمتم أن هذا لا يمكن أن يتجاوز كونه خطأ مغمورا في بحر حسناتها، ومن ذا الذي ما أساء قط والذي له الحسنى فقط؟!
فما السبب؟
هل تخالف تلك الجمعيات الثوابت الدينية لبلدنا والتي تتلخص في:
فقه الإمام مالك وعقيدة الإمام الأشعري والسلوك كما بينه الجنيد رحمه الله؟
لقد علمنا بالتتبع والسؤال أن تلك الجمعيات لا تعترض على تلك الأسس، وإنما تحذر من الجنوح بها عن الجادة.
فمذهب الإمام مالك مذهب علمي سني لم تزل جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة -مثلا- تعتني به؛ كما يعلم ذلك من خدمة الدكتور المغراوي لأبرز شروح الموطأ، وهو التمهيد للحافظ ابن عبد البر، فقد خدم هذه الجمهرة العلمية بكتابه: فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر.
كما دُرس في مقر جمعيته متن الرسالة لإمام المالكية ابن أبي زيد القيراوني.
وعرف عن الجمعية أيضا الاعتناء بمعتقد الإمام أبي الحسن الأشعري الذي استقر عليه وبينه في كتبه: الإبانة ومقالات الإسلاميين ورسالة إلى أهل الثغر، ومن أهم ما فيه: التحذير من فكر التكفير الضال.
كما أن الجمعية تحث على تهذيب النفوس وتقويم السلوك والاقتداء في ذلك بالسلف الصالح ومنهم الجنيد رحمه الله..
وإنما عرفنا عن بعض تلك الجمعيات: إنكار الجمود على أقوال الإمام مالك وتنزيلها منزلة النص المقدس، وهو ما حذر منه الإمام مالك نفسه، كما تنكر تحريف عقيدة الأشعري والدعوة إلى عقيدة عقلية معقدة تبناها بعض أتباعه بعد أن رجع هو عنها.
وتنكر أيضا أباطيل الغلاة الذين لبسوا زي التصوف وأدخلوا باسمه على الدين البلايا والرزايا؛ كعقيدة وحدة الوجود وعقيدة الحلول اللتان دعا إليهما ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، ومنكرات الأقوال والأفعال التي سطرها الشعراني في طبقاته والدباغ في إبريزه.
ولشيخ المفسرين عند المغاربة محمد المكي الناصري صولات وجولات في إنكار شطحات التصوف، ومثله: الشيخ عبد الله كنون -رئيس رابطة علماء المغرب الأسبق-، والمصلح المجدد الدكتور تقي الدين الهلالي، ومؤرخ المغاربة أحمد بن خالد الناصري، وغيرهم كثير.
وهذا توجه إصلاحي يقوم المسار ويصونه من الجنوح والانحراف، فلا يمكن أن يكون هذا الموقف سببا معقولا لذلك السكوت الرهيب، والخذلان العصيب.
فما السبب؟!!!
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.