مع مجيء فصل الصيف تكثر مظاهر “التعري” في الشواطئ، وكذا الإخلال بواجب العفة في الشوارع والمقاهي والمطاعم والأماكن العامة… ولا أحد يذكر من الناس شرع الله، إلا فيما ندر؛ بل ضعفت الذكرى، فاتبع كثير من الناس أهواءهم وشهواتهم، فاحتاجوا إلى تذكير بـ”أمر الله في شرعه”.
لا تقوم فلسفة الزي الإسلامي على تشبه بالغرب، واستلاب واغتراب في ثقافته (راجع “فلسفة الزي الإسلامي”، أحمد الأبيض)؛ بل هي محكومة بقواعد الإسلام وضوابطه؛ ما تعلق منها بالعورة، وما تعلق منها بمادة الزي وحدود ارتدائه.
وقد تشدد الإسلام في ستر العورة، حتى في خلوة، إلا بشروط وقيود وفي حالات مخصوصة؛ ليس على النساء وحدهن، بل عليهن وعلى الرجال. أما في العموم، فقد فرض الإسلام لباسا شرعيا يستر عورة المرأة، وآخر يستر عورة الرجل؛ حفظا للحياء العام ودرء للفتن.
أما وقد أصابت الغفلة كثيرا من الناس، والنساء خاصة حتى صرن أقل تحرزا من الرجال؛ والحال كذلك فقد وجب التذكير بحكم الله تعالى.
يقول الله تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوءاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاس التَّقْوَى، ذَلِكَ خَيْرٌ، ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ الله لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ” (الأعراف:26)؛ فلما مكّن الله الإنسان من اللباس، كان أمر الستر خيرا وتقوى لمن لزمه.
وإذا كان الستر حكما عاما للرجال والنساء كل حسب خصوصيته، فإن القرآن قد توسع في التأكيد على تعفف النساء وسترهن لعوراتهن وحفظهن لزينتهن إلا لمن جاز له إظهارها. وفي ذلك قال الله تعالى: “وَقُل لِلمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ، وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (النور:31).
واليوم ليست الزينة هي ما تبديه كثير من النساء في الشوارع والشواطئ، بل العورات بعضها مكشوف وبعضها موصوف. ومن باب حكم الموافقة الأولوي؛ إذا حرّم على النساء إبداء الزينة إلا للأصناف المذكورة، فإن تحريم كشف العورات ووصفها يكون من باب أولى.
وقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك”، قال: قلت: “يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟” قال: “إذا استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها”. قال: قلت: “يا رسول الله إذا كان أحد خاليا”؟ قال: “الله أحق أن يستحيا منه من الناس” (رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني)؛ في خلوة المسلم وجب الاستحياء من الله، فلا يكشف عورته إلا لقضاء حاجة أو طهارة حدث أو استنجاء؛ فما بالك بين الناس وفي الأماكن العامة!
وإننا إذ نورد هذه الأدلة، فإننا نود أن نبين بها شساعة الهوة بين منطق الدين وواقع يطبع مع “التعري” وكشف العورات يوما بعد يوم. ولا ندري هل هو تحرر من الجسد أم عبودية له وفيه؟!