للسياحة والنزهة أحكام في الشرع وجب التذكير بها:
فالتبذير والإسراف ليسا بجائزين، واجتنابهما واجب، لقول الله تعالى: “ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا” (الإسراء:27)، ولقوله تعالى: “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين” (الأعراف:31).
والتوسع في متعة النساء حتى يتحرش المرء بهن، أو ينظر إليهن نظرة غير شرعية، أو يزني بهن، كل ذلك لا يجوز شرعا بأدلته، إذ يقول تعالى: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم” (النور:30)، ويقول عز من قائل: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا” (الإسراء:32).
والخمور حرام بكل أشكالها وألوانها، والمخدرات أيضا، و”كل مسكر خمر وكل مسكر حرام” (رواه مسلم) و”ما أسكر كثيره فقليله حرام” (أخرجه أحمد) مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول الله تعالى: “إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم رجس من عمل الشيطان، فاجتنبوه لعلكم ترحمون” (المائدة:90).
والكلام بالغيبة والنميمة حرام، إذ يقول تعالى: “ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه” (الحجرات:12)، ويقول صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة نمام” (متفق عليه).
أما الزمن، فقد حث الإسلام على الاقتصاد فيه وصرفه في وجوهه الضرورية المطلوبة النافعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين أخذه وفيما أنفقه” (رواه ابن حبان والترمذي). ويقول عمر بن الخطاب: “إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما”.
وإذا جاء الصيف فليتق التجار والصناع التقليديون وأصحاب الزراعات، فليتقوا الله في صنائعهم، فلا يزيدوا على القدر المسموح به درهما، ولا يغشوا في تجارتهم قيد أنملة، ولا يأخذن بهم الرواج مأخذا يفتح أعينهم على الأرباح، وينسيهم الآخرة التي هي “خير وأبقى”.
هذه أحكام عامة، بنيت على أساس ما لا يجوز مما يُنهى عنه ويُؤمر بضده (“النهي عن الشيء أمر بضده” بتعبير أبي المعالي الجويني في “الورقات”). وقد تبنى أحكام أخرى على أساس ما يجب، فيعارض المنهي عنه بالمأمور به ليتحقق المطلوب. وكله يجب أن يصبح جزءا من فقه مذهب أهل البلد، وفتاوى فقهائه.
وعلى سبيل المثال، فقد تجددت علاقة المغاربة بالبحر، وبناء عليه يجب أن تتجدد أحكام فقهائهم فيما تعلق به (البحر). فإذا كان الفقهاء المالكيون المتقدمون قد خصصوا له أبوابا من قبيل: “استعمال القطع البحرية وبواخر الأسفار”، و”الصيد والثروات البحرية”، “المبادلات التجارية”، “الأسرى المحتجزون في البحر”، “الغائبون والمفقودون”، “الحراسة الساحلية”… الخ (إبراهيم حركات، المغاربة والبحر، ص:22)؛ إذا كان المتقدمون كذلك، فإن معاصري المالكية مطالبون بإضافة أبواب فقهية من قبيل: “الاختلاط في الشواطئ”، “الإسراف في الأكل والشرب واللعب”، “تلويث مياه الشواطئ ورمالها”، “ما يجوز وما لا يجوز شرعا من ملابس السباحة لكلا الجنسين”… وغيرها من الأبواب.
الفقه ثابت ومتغير، ثابت هو الحكم، ومتغير هو تنزيل الحكم على واقعه الجديد. ولما اقتضت التجارة والحروب البحرية القديمة نوعا من الفقه، كان لزاما أن يقتضي واقع شواطئنا اليوم فقها أخلاقيا جديدا، يحيي ما طمسته الحضارة الغربية من معالم الحشمة والوقار والحياء فينا.