ما يلزم المستفتي إن اختلفت عليه أجوبة المفتين

إن سأل المستفتي أكثر من مفت فاتفقت أجوبتهم، فعليه العمل بذلك إن اطمأن إلى فتواهم.

وإن اختلفوا، فللفقهاء في ذلك طريقان:
فقد ذهب جمهور الفقهاء: الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة وابن سريج والسمعاني والغزالي من الشافعية إلى أن العامّيّ ليس مخيّراً بين أقوالهم يأخذ بما شاء ويترك ما شاء، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، ثم ذهب الأكثرون منهم إلى أن الترجيح يكون باعتقاد المستفتي في الذين أفتوه أيهم أعلم، فيأخذ بقوله، ويترك قول من عداه.
قـال الغزالي: الترجيح بالأعلمية واجـب، لأن الخطأ ممكن بالغفلة عن دليل قاطـع، وبالحكم قبل تمـام الاجتهـاد واستفراغ الوسع ، والغلط أبعد عـن الأعلم لا محالة، كالمريض، إذا اختلف عليه طبيبان، فإن خالف أفضلهما عدّ مقصّراً، ويعلم أفضل الطبيبين أو العالمين بتواتر الأخبار، وبإذعان المفضول له، وبالتسامع والقرائن دون البحث عن نفس العلم، والعامي أهل لذلك، فلا ينبغي له أن يخالف الأفضل بالتشهّي. اهـ.
وقال الشاطبي: لا يتخير؛ لأن في التخيير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلّدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلاَّ اتباع الشهوات والهوى في الاختيار، ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، هو حكم الله في ذلك الأمر. اهـ.
وقياساً على المفتي: فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي الرأيين المختلفين دون نظر في الترجيح إجماعاً كما تقدم.
وقال الغزالي: إن تساوى المفتيان في اعتقاد المستفتي، وعجز عن الترجيح تخيّر، لأن هذا موضع ضرورة، وقال ابن القيم وصاحب المحصول: عليه الترجيح بالأمارات، فإن الحق والباطل لا يستويان في الفطر السليمة.
وذهب البعض إلى أن الترجيح يكون بالأخذ بالأشد احتياطاً، وقال الكعبي: يأخذ بالأشد فيما كان في حقوق العباد، أما في حق الله تعالى فيأخذ بالأيسر.
والأصح والأظهر عند الشافعية وبعض الحنابلة: أن تخير العامي بين الأقوال المختلفة للمفتين جائز، لأن فرض العامي التقليد، وهو حاصل بتقليده لأي المفتيين شاء (شرح المنتهى للبهتي الحنبلي 3/458، وابن عابدين 4/303، وإعلام الموقعين 4/254-264، والمجموع للنووي 1/56، والبحر المحيط للزركشي 6/113-318، والمستصفى للغزالي 2/125، والموافقات للشاطبي 4/130،133،262).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *