على خلفية حصار قطاع غزة، نتساءل: ماذا يريد العلمانيون؟ ..ولا نقول ماذا يريد اليهود؟!
لماذا يصر العلمانيون على أن يظلوا في واجهة صراع فشلوا هم كما فشل من سبقهم من روادهم في إدارته.
ثم ماذا قدم العلمانيون على طول تاريخ الصراع لقضية فلسطين؟ وماذا ينتظر منهم أن يقدموا؟
ما الذي شرع اليهود في فعله ومنعه العلمانيون وحالوا دون وقوعه؟
وأي حلم من أحلام بني صهيون سعوا في عدم تحققه على أرضنا السليبة، وفي ساحات مقدساتنا المغتصبة؟
أين انجازاتهم وانتصاراتهم التي حققوها خلال عقود من الصراع مع اليهود منذ عام 1917م وحتى الآن؟
أين هو المجد والتاريخ الذي يستندون إليه والذي يجعلهم يتشبثون بالانفراد ويعملون على إقصاء الآخرين؟
أطرح هذه الأسئلة اليوم، والعلمانيون في فلسطين يعيدون أمجاد أجدادهم، ويكررون نفس السيناريو الممجوج، ويقومون بمحاصرة المسلمين وتقييدهم ومنعهم بكل الوسائل والأساليب من حمل لواء المواجهة مع الكيان الصهيوني ليبقوا هم وحدهم في الميدان يديرون معركة ليسوا لها أهلا.. ولتتكرر نكباتنا ونكساتنا، وليزداد العدو قوة إلى قوته، وليخطو خطوة جديدة في طريق تحقيق أحلامه التي ما كانت لتتحقق لولا مساعدة ومعاونة أو فشل العلمانيين العرب على طول تاريخ الصراع وحتى الآن.
أطرح هذه الأسئلة اليوم، وقد مضى تسعون عاما على تدخل (أم المصائب) انجلترا في المنطقة، وقد مضت ثلاث وثمانون سنة على إنهاء وإلغاء آخر خلافة إسلامية، وقد مضت ستون سنة على إعلان قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين (المسلمة)، وأكثر من أربعين عاما على نكسة يونيو 1967م واحتلال الصهاينة لما تبقى من أرض فلسطين وضياع القدس وأسر الأقصى.
فماذا قدم العلمانيون خلال العقود المتوالية لقضية المسلمين المصيرية (قضية فلسطين)؟
والتاريخ يقول -ونحن راضون بحكم التاريخ- إن العرب عندما أبعدوا الإسلام عمدا عن المعركة وأخرجوه من حلبة الصراع، تسببوا في هزيمة تركيا (بلد الخلافة الإسلامية) في الحرب العالمية الأولى 1914م، وساهموا في ضياع الخلافة -مصدر عزتهم ورمز وحدتهم- 1924م، ثم في ضياع فلسطين 1948م، وفي ضياع القدس 1967م.
التاريخ يقول إن العرب عندما غيبوا الروح الإسلامية، واستبدلوا الفكر الإسلامي والمنهج الإسلامي القويم بأفكار ومناهج لا تمت للدين بصلة، وعندما ارتضوا العلمانية منهجا لحياتهم، وعندما انتشر الفساد ونخر في جسد الأمة، وعندما أعلنت المعاصي وجهر بها أصحابها.. استطاع الصهاينة في زمن قياسي أن ينفذوا جزءً كبيرا من خططهم، وأن يصلوا اليوم إلى ما وصلوا إليه بعد أن كانوا أذلة ملعونين مفرقين ومشتتين في أرجاء العالم.
والتاريخ يقول أن العرب عندما تخلوا عن إسلامهم منهجا وفكرا وعندما دخلوا المعركة بلا هدف ولا عقيدة، مجردين من الإيمان واليقين.. ألحقوا بنا الهزائم في كل الميادين: ميادين الحرب والسلام جميعا، ونكسوا رؤوسنا ومرغوا أنوفنا في التراب.
وها هو العالم يتعجب من هزيمة سبع جيوش تابعة لسبع دول عربية لهزيمة منكرة أمام مجموعة من عصابات اليهود المسلحة في عام 1948م، وفي عام 1956م بعدما أعلن قائد الثورة (جمال عبد الناصر) تأميم القناة، هزم الجيش المصري (أقوى الجيوش العربية) من اليهود ولعبت بريطانيا إلى جانب فرنسا دورا هاما في هذه الحرب.
وفي 1967م انهزمت جيوش ثلاث دول عربية -بعد أن خاصمت دينها وأدارت ظهرها لثوابتها وقيمها وأخلاقها- في مواجهة جيش معتز بعقيدته (الباطلة)، كان جنوده يحملون التوراة بيد والسلاح بيد.
ونتساءل، ماذا قدم العلمانيون لتحرير القدس المحتلة والأقصى الأسير سوى الخطب الحماسية الرنانة والشعارات الفارغة والخطط الصبيانية المضحكة؟
ألم يهدد أحد زعمائنا الكبار بإلقاء “إسرائيل” في البحر وإلحاق الهزيمة المنكرة باليهود ووعد بتحرير الأقصى، فذهب بجيشه إلى اليمن.
ألم يهدد (زعيم آخر) بمحو “إسرائيل” من على الخارطة، وكون بالفعل جيشا لتحرير القدس، فذهب به إلى الكويت، فدمر قواته وتسبب في حصار شعبه ثم بعد ذلك في احتلال أرضه.
ثم، ألم تتبنى (حتف=فتح) في البداية خيار المقاومة لإنهاء الاحتلال وتحرير المقدسات وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.. لماذا تخلت الآن عن هذا النهج؟ ولماذا أعلنت إسقاط مصطلح (المقاومة المسلحة)؟ ولماذا سلمت فصائل المقاومة التابعة لفتح أسلحتها..؟ هكذا سلموا أسلحتهم واختاروا (السلام)، والصهاينة لا يزالون يفعلون ما يحلو لهم في أرضنا.. يذبحون شعبنا ليل نهار (على الهواء مباشرة) والعالم كله جالس يتفرج.. يحاصرون إخواننا في غزة ويجوعونهم ويقتلعون زرعهم، ويهدمون المنازل وينتهكون المقدسات ويسرقون الأرض وينهبون الخيرات، والعرب (العلمانيون) بجيوشهم الجرارة لا يستطيعون الحركة ولا حتى (الكلام).
أما في مجال السلام، والمفاوضات، والمؤترات.. فدلونا -بالله عليكم- على مؤتمر واحد للسلام لم يربح الكيان الصهيوني بعده نقاطا إضافية، ولم يكتسب شرعية جديدة..، والدليل ما حدث في مؤتمرات جنيف 1974، وكامب ديفيد 1978، ومدريد 1991، وأوسلو 1993 وأنا بوليس 2008.
وأصبح السلام خيار العلمانيين الاستراتيجي رغم كل ما حدث ويحدث، وفي الوقت الذي يعلن فيه أمين عام جامعة الدول العربية (بديل الجامعة الإسلامية) خبر وفاة عملية السلام في مؤتمر صحفي، نشهد بين الحين والآخر وعلى رأس كل مرحلة (حرجة ومصيرية) نشاطا ملحوظا، ومحاولات ومساع لإحياء عملية السلام..
فلماذا لا يحترم هؤلاء حرمة الميت، لماذا لا يتركون هذه العملية (الميتة) ترقد في قبرها بسلام..؟
فرغم الفشل الذريع الذي منيت به أمتنا في كافة المجالات، وفي كل الميادين: في الحرب والسلام، في الصلح والمهادنة، في الكر والفر.. تقام الاحتفالات، والندوات وتطلق الشعارات والهتافات، وترتدي الكوفية الفلسطينية على الفساتين العارية، ويرقص المشتركون جميعا على أنغام الحلم العربي والقومية العربية.
فمتى يفهم العلمانيون أن الحديد لا يواجه إلا بالحديد.. وأن دولة اسمها اسم نبي، ورمزها يدل على نبي آخر ودستورها التوراة، وشعارها أرض الميعاد، وحلمها التاريخي هو إعادة بناء هيكل سليمان بعد هدم المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، حيث يتطلعون لمجيء ملك من نسل (داود) ليحكم العالم بواسطتهم.
دولة بهذا الشكل لن يوقف مدَّها وطغيانَها وجبروتها من تخلوا عن دينهم، وخاصموا قيمهم ومبادئهم وأخلاقهم.. وأن جنديا يحارب عن عقيدة (مهما كانت باطلة)، ويسفك الدم ويقتل ويذبح ويشرد وهو يؤمن بأن هذا هو الطريق إلى الخلاص وإلى الجنة، لن يصمد أمامه جندي لا يعرف من أمر دينه شيء، ولا يصلى ولا يصوم رمضان، ويستخف بتعاليم شرعه، بل يستحي من الانتساب إلى دينه ومن الانتماء إليه.
متى يفهمون أن زحف اليهود لا يوقفه إلا الإسلام، وأن كبر اليهود وغرورهم لا يوقفه إلا أحفاد (ابن عبد الله) الذي أجلاهم قديما عن المدينة المنورة.
ومتى يفهم العلمانيون أن الكيان الصهيوني دولة دينية، أفكارها وخططها وحربها وسلامها وحركتها وسكونها.. كل ذلك مستمد من عقيدتهم وتراثهم الديني، وأن من يعمل على إبعاد الإسلام عن المعركة ويضيق على المسلمين ويمنعهم من تأدية واجبهم المقدس فهو بذلك يقدم خدمة مجانية للصهاينة ويجعلهم أقرب وأسرع في تحقيق أهدافهم وأحلامهم.
متى يفهمون أن قضية فلسطين حياتها في الإسلام، وأننا إن أردنا استعادة حقوقنا وتطبيب جراح أمتنا وفك الحصار عنها والحفاظ على مقدساتنا، فلا بد من العودة مرة ثانية إلى ديننا وأخلاقه وتعاليمه وشرعه، وإلا فسيبقى الوضع على ما هو عليه، بل سيزداد سوءا.
لقد جرب العلمانيون كل التيارات وكل الاتجاهات وكل الأفكار.. تحالفوا قديما مع انجلترا فخدعتهم.. ارتموا في أحضان “ماركس” و”لينين” فأصابهم الخزي والانكسار.. قلدوا “كاسترو” و”تشي جيفارا” و”هتلر” و”موسوليني” فخسروا وفشلوا وانهزموا.. انضووا تحت لواءات الشيوعية والليبرالية والقومية فهانوا وذلوا.
فلماذا لا يعودون إلى دينهم الأقرب إليهم والأولى لهم والأجدر بهم، والذي فيه عزهم وكرامتهم ونصرهم وظهورهم؟
لماذا لا يقررون العودة إلى الإسلام شريعة ومنهجا وتعليما وتربية وأخلاقا وسلوكا؟
لماذا لا يعودون إليه تاريخا وحضارة وثقافة؟ ولماذا لا يديرون معركتهم المصيرية مع الصهاينة كما ينبغي أن تدار، بأن يسلحوا الناس بالإسلام وأن يرفعوا راية القرآن؟
فإن لم يقبلوا، فليعتزلوا، وليتنحوا جانبا، وليرفعوا الحصار عن أصحاب القضية الحقيقيين، وليفسحوا الطريق أمامهم، وليخلوا بينهم وبين عدوهم.
وكأني -وأنا أتذكر الفتح الأول للقدس- على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما دخل المسلمون بيت المقدس للمرة الأولى يوم كانت في أيدي الرومان.. كأني بالخليفة الراشد البطل الذي -أنهى أسطورة الفرس والروم- وهو يدخل القدس في موكبه البسيط المتواضع، كأني به يوجه خطابه إلى العلمانيين اليوم حين قال: “لقد كنا -نحن العرب- أذل الناس، حتى أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”.