تميز موقف أهل السنة والجماعة عن مواقف جميع الفرق الإسلامية الأخرى في نظرتهم إلى الصحابة رضي الله عنهم، فكل فرقة من الفرق قد نالت من الصحابة بطريقة أو بأخرى، فمنهم من اتهمهم بالارتداد عن دين الله تعالى، ومنهم من اتهمهم بالمكر والخداع والنفاق، ومنهم من اتهمهم بتحريف القرآن، أو بممالئة الظالمين.. إلى آخر تلك الاتهامات، بينما يرى أهل السنة والجماعة أن الصحابة رضي الله عنهم هم القدوة الحسنة؛ وهم أشبه ما يكون بالمرآة التي تعكس للأجيال اللاحقة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعوهم في مكانهم الذي ارتضاه الله تعالى لهم من غير إفراط ولا تفريط، فلم يبالغوا فيهم ولم يدعوا فيهم العصمة ولا تلقي العلم اللدني عن الله تعالى، بل هم بشر كسائر الناس سوى أن الله تعالى قد كرمهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وشرفهم بحمل تعاليمه ونشر دعوته وتبليغها للعالمين، فهم حلقة الوصل فإذا انفصمت عن المصدر الرئيس للتشريع نكون قد فقدنا النبراس الذي نهتدي به.
لذا لم يفرط أهل السنة فيهم ولا اتهموهم بما لا يتوجب في حقهم برميهم بالكفر والنفاق والإصرار على الكبائر، بل أهل السنة يقطعون بالجنة لمن بشرهم الله تعالى ورسوله بذلك كالعشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم ممن أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة كبلال بن رباح، وعكاشة بن محصن، وثابت بن قيس، والحسن والحسين، وأم حرام، وأهل بدر الذين قال لهم الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: “اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”، وأهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة فـ”لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة” مسلم.
وقد ذهب ابن حزم إلى أن الصحابة كلهم في الجنة واستدل على ذلك بقول الباري جل وعلا {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}. (الفصل 4/148-149، والإصابة لابن حجر 1/19).
يقول الإمام الطحاوي: “ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم؛ ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير؛ وحبهم دين وإيمان وإحسان؛ وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) (شرح الطحاوية ص467).
“فأهل السنة يوالونهم كلهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها، بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعصب، فإن ذلك كله من البغي الذي هو مجاوزة الحد” المصدر نفسه.
“وأجمع أهل السنة على إيمان المهاجرين والأنصار من الصحابة رضي الله عنهم” (الفرق بين الفرق:352).
وقال أبو عبد الله بن بطه: “ونحب جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتبهم ومنازلهم أولاً فأولاً؛ من أهل بدر والحديبية وبيعة الرضوان وأحد؛ فهؤلاء أهل الفضائل الشريفة والمنازل المنيفة الذين سبقت لهم السوابق؛ رحمهم الله أجمعين”. (الإبانة في أصول السنة والديانة ص:271).
وقال النووي في التقريب: (الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به) تدريب الراوي للسيوطي 2/214.
وقال ابن حجر: (اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة) (الإصابة: 1/7).
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: (فهم خير القرون وخير أمة أخرجت للناس ثبتت عدالتهم جميعهم بثناء الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم).
وأهل السنة يرون أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة (الباعث الحثيث، ابن كثير:183) ومن أكفر واحداً من الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لا شك في كفره.