الإيمان العلماني الجديد الشرك والإيمان في المذهب العلماني

الإيمان أيضاً ليس هو الإيمان المحمدي الذي يقوم على ستة أركان: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وإنما “هناك تغيُّر جذري في المفهوم الإيماني نفسه، وفي وسائل تحققه اليقينية، ليست القضية الآن في السجود لصنم أو اتخاذ أرباب أو ممارسة علاقات فلكية أو أبراجية معينة.. المشكلة الإيمانية الآن في توجه الإنسان كليا نحو الاتحاد بالطبيعة عبر منهجية العلم بديلاً عن التوجه إلى الله كونياً عبر منهجية الخلق..

فالإيمان في عصرنا يعني الانتقال إلى إدراك عميق لمنهجية الخلق والتكوين كما يوضحها الله في القرآن، وهي مرحلة إيمانية لم يصلها من قبل إلا من الذين اصطفاهم الله”(1).
وأصبحت الحداثة تفرق بين إيمان جديد وإيمان تقليدي، فالإيمان الحديث “يقبل إعادة النظر حتى في الأصول الأولى من أجل انتهاكها وإعادتها إلى المشروطيات المشتركة للجدلية الاجتماعية، وهو ما ندعوه بأرخنة الأصول الأولى للأديان التوحيدية، أي الكشف عن تاريخيتها المحجوبة أو المغطاة بستار كثيف من التقديس والتعالي”(2).
إن الإيمان بالمعنى الحديث يقبل حتى فكرة موت الله وغياب الله عن العالم، وإن كانت هذه الفكرة تصدم الشرائح الكبيرة المؤمنة بالمعنى التقليدي(3). وبناءً على هذا المفهوم الجديد للإيمان الأركوني فإن كل الذين اعتُبروا ملحدين في التاريخ الإسلامي أو الغربي يمكن اعتبارهم مؤمنين لأنهم لهم إيمانهم الخاص، وهم لا يمكن أن يخرجوا عن الإسلام وإنما عن فهم ضيق قسري له، وقد كانت لهم طقوسهم وشعائرهم الخاصة(4).
ومن هنا يكفي أن يتحقـق في الإيمان المعـاصر عند طائفة من العلمانيين ركنان فقط همـا الإيمـان بالله واليوم الآخر(5)، وعند آخرين الإيمان بالله والاستقامة(6)، والقصد من ذلك هو إدخال النصارى واليهود في مفهوم الإيمان والإسلام، واعتبارهم ناجين يوم القيامة، ويُستدل لذلك بقوله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(7).
وعند طائفة ثالثة يُفتح المجال للكونفوشيوسية والبوذية وكل الأديان الوضعية للدخول في سفينة النجاة العلمانية(8)، لأنه يعسر على المؤمن في عالم اليوم أن يهمل التحديات التي تمثلها الأديان الأخرى المخالفة لدينه الموروث، فليس من الحكمة الإلهية أن أحكم أنا المسلم على ثلاثة أرباع البشرية من معاصري غير المسلمين بالذهاب إلى الجحيم، وبالتالي أليست الحقيقة التي أؤمن بها نسبية؟!(9).
وهكذا بالتوازي مع تغير مفهوم الإيمان يتغير معه مفهوم الإلحاد أو الشرك فكما أصبح الإلحاد عند نيتشة وماركس وفيورباخ نظرية للتحرير(10) يصبح كذلك عند المفكرين العرب “الإلحاد هو التجديد لأنه يطابق الواقع ووعي بالحاضر ودرء للأخطار ومرونة في الفكر.. إن الإلحاد هو المعنى الأصلي للإيمان لا المعنى المضاد، والإيمان هو المعنى الذي توارده العرف حتى أصبح بعيداً للغاية عن المعنى الأصلي، إن لم يكن فقداً له.. لأن الإيمان تغطية وتعمية عن شيءٍ آخر مخالف لمضمون الإيمان، والإلحاد هو كشف القناع وفضح النفاق”(11).
والشرك بالله عز وجل لم يعد هو التوجه بالعبادة إلى غير الله عز وجل، وإنما أصبح يعني الثبات في هذا الكون المتحرك، وعدم التطور بما يتناسب مع الشروط الموضوعية المتطورة دائماً، فالتخلف شرك والتقدم توحيد (12).
إن التوحيد هو توحيد الأمة والفكر وليس توحيد الآلهة {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (13) (14).
ولكن لا يجب أن نفهم أن الله عز وجل في الإيمان الجديد هو الله الذي يؤمن به المسلمون والموصوف في القرآن الكريم بكل صفات الكمال وإنما الله يعني الإنسان، وصفاته جميعها حتى صفة الوجود تعني الوجود الإنساني(15).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العالمية الإسلامية الثانية أبو القاسم حاج حمد2/497-498 وانظر: البعد الزماني والمكاني وأثرهما في التعامل مع النص البشري 116.
(2) من القرآن إلى التفسير الموروث؛ أركون ص:83، 84.
(3)قضايا في نقد العقل الديني أركون ص:207.
(4) أركون؛ مجلة الكرمل عدد 34/1989م.. وانظر: من فيصل التفرقة إلى فصل المقال؛ ص:9.
(5) نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي؛ محمد شحرور ص:31.
(6) جوهر الإسلام للعشماوي ص:109- 121
(7) المرجع السابق ص:127 وأصول الشريعة ص: 100له أيضا.
(8) نافذة على الإسلام لأركون ص:60، والفكر الإسلامي نقد واجتهاد له أيضاً ص:84.
(9) لبنات عبد المجيد الشرفي ص:101.
(10) الله في الفلسفة الحديثة؛ كوليز ص:333-334.
(11) التراث التجديد؛ حسن حنفي ص:54.
(12) الكتاب والقرآن؛ شحرور ص:496 وانظر: الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني والتحريف المعاصر في الدين ص:202.
(13) سورة ص:5.
(14) حوار المشرق والمغرب؛ حسن حنفي ص 54-57 والاستشهاد بالآية منه طبعاً.
(15) من العقيدة إلى الثورة حسن حنفي 2/92-93-112-113.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *