مقاومة الاستئصاليين لدفاتر التحملات وإصلاح القطب العمومي

أثار موضوع دفاتر التحملات المؤطرة للقطب العمومي كثيرا من المداد واللعاب؛ فالكم الهائل من التصريحات والخرجات الإعلامية؛ والعدد الضخم من المقالات والتحليلات والتهديدات؛ أكدت حرارة هذا الملف وشراسة المعركة التي عشنا جميعا أحداثها وتفاصيلها يوما بيوم!!
فبالإضافة إلى التصريحات النارية لـ(مْسَامْر المِيدَة) المسيطرين على القطب العمومي؛ الذين أبدوا رفضهم التام لهذه الدفاتر؛ خرجت أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية ومنابر إعلامية -كلها تتبنى المرجعية العلمانية/اللائكية- لتندد وتشكك في الأهداف المتوخاة من وراء هذه الدفاتر؛ بل بلغ الحد ببعضهم إلى درجة تهديد الحكومة التي أسموها “حكومة العبث المقنع” التي تتبنى “نهجا سياسيا مبشرا بالنيوفاشية المنبعثة من فتاوى المشرق الإخواني” الذي “دشنه التوجه الإعلامي الخلفي ذو القيمة الفارغة والغاية الذميمة”..!!
فوفقا لما نصت عليه المادة 49 من القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري؛ فالحكومة تقوم بإعداد دفاتر التحملات وتصادق عليها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وتنشر بالجريدة الرسمية.
وتؤكد نفس المادة أن دفاتر التحملات تحدد التزامات الشركات الوطنية للاتصال السمعي البصري العمومي، ولا سيما منها تلك المتعلقة بمهامها في إطار المرفق العام، وهذا عين ما قام به السيد وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي.
بل أكثر من ذلك فقد قام الوزير بالانفتاح على كل المتدخلين في المجال الإعلامي من نقابات وشركاء مهنيين ومتخصصين في مجال الإعلام؛ وتمت استشارة حوالي 40 هيئة وجهة؛ ليدلوا بدلوهم في هذا الإطار ويساهموا بشكل فعال في إعداد هذه دفاتر.
إلا أن دفاتر الوزير عورضت بشدة من طرف مسؤولين بارزين في القطب العمومي؛ ظلوا سنين عديدة مسيطرين على هذه المناصب؛ حيث اعتبر المدير العام للقناة الثانية سليم الشيخ أن دفاتر التحملات أهانت العاملين والمهنيين في القناة؛ وأكدت سطيل مديرة قسم الأخبار بالقناة نفسها أن هذه الدفاتر قتل ممنهج للقناة.
في حين أعربت النقابة الأكثر تمثيلية في القناة الثانية التابعة للاتحاد المغربي للشغل في شخص كاتبها العام أنه “لا حق لسليم الشيخ أن يتحدث باسم العاملين في القناة”، وأن النقابة تؤيد دفاتر التحملات والطريقة التي أعدت بها؛ وانفتاحها على النقابات والمختصين في مجال الإعلام؛ ومراعاتها قواعد الحكامة الجيدة في إبرام الصفقات والتعيينات.
وأكد إعلاميون في القناة الثانية أنها المرة الأولى التي يتم فيها استشارة الإعلاميين في هذا المجال؛ وأن دفاتر التحملات في سابق العهد كانت تفرض من قبل وزير الاتصال ومدير القطب العمومي ومدير القناة الثانية، ولا يستشار في خصوصها أحد.
والظاهر أن الصراع حول دفاتر التحملات لم يكن في جوهره -كما يسوق الإعلام ذي المرجعية العلمانية- صراعا حول بث الأذان في الصلوات الخمس؛ أو النقل المباشر لصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وبعض النشرات الإخبارية باللغة العربية إلى غير ذلك؛ إذ هو في أساسه صراع مرجعية وصراع مصالح اقتصادية وسياسية.
فحسب ما صرح به مختصون وباحثون في المجال السياسي والإعلامي والاقتصادي فإن كل من سليم الشيخ وفيصل العرايشي وسميرة سطيل ما هم إلا دمى يحركهم من خلف الستار لوبي نافذ استطاع منذ 2001 أن يبسط نفوذه التام على الإعلام العمومي؛ ويجعل منه إعلاما مخزنيا بامتياز.
فالثلاثي المرح سليم وسطيل والعرايشي موظفون تابعون لوزارة الاتصال، ورغم ذلك خرجوا في خرجات إعلامية لم يشهد لها تاريخ المغرب مثيلا، وتحدوا قرارات وزارتهم وعارضوها علانية، وكأنهم حزب معارض أو توجه سياسي منافس، موظفون يمارسون من داخل الإعلام العمومي معارضة لوزارتهم بكل تحدي، ويمررون أفكارهم وأيديولوجيتهم دون تواري أو نفاق سياسي.
ومن الأمور الأساسية التي لا يجب أن تغيب عن أذهاننا؛ وحري بنا أن نستحضرها حول هذا الموضوع بالذات؛ أن النخبة العلمانية ظلت مسيطرة على المؤسسات الإعلامية -العمومية منها وغير العمومية-؛ منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، وهي غير مستعدة بتاتا للتفريط في هذه المؤسسات التي تضمن من خلالها إيصال رسالتها والسيطرة شبه التامة على الرأي العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *