مادة التربية الإسلامية الواقع والمأمول ذ.أحمد اللويزة

لا يمكن لأي شعب أن يعيش دون قيم أو يستمر دون أخلاق، فالقيم جزء من كيان الإنسان وأساس هويته، إنما تختلف مصادر استمدادها فقط.
فمنها ما هو أرضي من وضع البشر وتتنوع فيه المذاهب والمشارب، ومنها السماوي الذي جاء من عند رب العالمين تولى الأنبياء والرسل تبليغه للبشر.
وبما أن الله عز وجل قد ختم الرسالات برسالة الإسلام، وهو أعلم بما يصلح للإنسان ويصلحه، فإن القيم التي ينبغي أن تكون مهيمنة مسيطرة هي قيم الإسلام، وقد قال تعالى: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ” فإذا كان مهيمنا على الكتب السماوية وهي ربانية المصدر فمن باب أولى أن يكون مهيمنا على القيم الأرضية وهي بشرية المصدر.
لكن كيف نربي الأجيال والشعوب على هذه القيم؟
لا بد من منهج علمي تربوي يصاحب المرء منذ نشأته، يشترك في تنفيذه جهات متعددة من أهمها المدرسة التي تقوم على التربية والتعليم، فإذا كانت هذه المدرسة توجد في بلد مسلم فعلى القائمين على تدبير شؤونه أن تكون التربية على القيم النبيلة المستمدة من الإسلام أولى الأولويات في المناهج الدراسية التي يعتمدونها، إذا كانت لديهم نية صادقة في تكوين المواطن الصالح الذي يخاف ربه، ويرعى مصالح بلده، ويرحم أبناء وطنه.
إن الواقع ومن خلال التأمل في برمجة مادة التربية الإسلامية والتأمل في برامجها يدعوا إلى القلق البالغ على حال ومستقبل القيم لدى جيل مسلم في بلد مسلم يعيش زمن الاضطراب الفكري والأخلاقي، فإن ساعة أو ساعتين في الأسبوع لا تكفي مهما ادعى المدعون لتكوين شخصية مسلمة متشبعة بقيم الإسلام متمكنة من علومه قادرة على مواجهة الأفكار الهدامة والعقائد الباطلة والأخلاق المنحرفة.
فالزمن المخصص لا يكفي، والدروس المبرمجة لا تساعد على ذلك، لأنها تعرف خللا في أصلها أو مضمونها أو المعلومات التي يبنى عليها الدرس، فماذا يفيد التلميذ في مادة التربية الإسلامية كأولوية دروسا مثل “التواصل” أو “الحوار” أو “الإعلام والتربية الصحية”… في مستوى من التعليم الثانوي ملزم فيه بالامتحان؛ مما يعني أن اهتمام التلميذ بالمادة لا يكون إلا في هذه السنة دون غيرها على ما في دروسها من خلل، كما أن بعضها لا يزيل الجهل لدى المتعلم بقدر ما يزرع في نفسه الشبهات نظرا للحيز الزمني الذي لا يمكن من بسط الموضوع وشرح غوامضه ومشكلاته للتلاميذ والطلاب؛ مثل الدروس التي تتناول القرآن والسنة والاجتهاد بالدراسة، فضلا عن الخلل المنهجي والمعلوماتي المضمن في كثير منها، وذلك عيب آخر يدل على البعد المصلحي والتجاري في وضع المقررات، حيث تغيب روح المسؤولية ومصلحة الوطن في تكوين المواطن الصالح النافع.
ناهيكم عن تقليص الساعتين إلى واحدة بالنسبة للشعب العلمية في مستوى الباكلوريا، وتحييدها فيما بعد في الدراسة الجامعية، لتنقطع صلة المتعلم بالتربية الإسلامية والعلوم الشرعية ربما إلى الأبد عند البعض أو فيما نذر عند البعض الأخر.
لماذا هذه السياسة التعليمة جائرة بهذا الشكل فيما يتعلق بهذه المادة، مما لا يحصل مثله لمواد أخرى كاللغات الأجنبية أو الفلسلفة، مع أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ينص في أول مرتكزاته على ضرورة الاهتداء بمبادئ العقيدة الإسلامية والتشبث بمقدسات البلاد، ومنها الإسلام وعلومه التي ينبغي أن تبقى مصاحبة للطالب من المهد إلى اللحد من بداية التعلم إلى نهاية التخرج. لماذا هذا؟
لأن التربية الإسلامية يحتاجها المهندس، والطبيب والمحامي والمسئول، والعامل والصانع والتاجر والمدرس وغيرهم، فهي التي تربيهم على الصدق والأمانة والرحمة والتفاني في خدمة الآخرين ومراقبة الله عز وجل في أعمالهم، وغير هذا من القيم التي لو وجد من يؤدي مهمتة التربوية من المدرسين بصدق لكان المجتمع نِعْم المجتمع خلقا وعلما ومعرفة وتماسكا.
إن ازدراء مادة التربية الإسلامية وعلومها وجعلها محصورة في مجال ضيق أنتج جيلا فارغ المحتوى سيء الخلق حتى وهو في سن التخرج والحصول على الشهادة الجامعية، بل وأشد مرارة أن يكون خريج شعبة الدراسات الإسلامية.
يظهر ذلك جليا من خلال جهل التلاميذ والطلاب بأبسط المسائل العلمية الشرعية، ولا أبالغ وقد يكون مستغربا وللتمثيل فقط إن قلت أن من تلاميذ الباكلوريا من لا يعرف عدد سور القرآن، ولا متى توفي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن طلاب الجامعة من لا يعرف أركان الصلاة ولا فرائض الوضوء ولا أسماء السور، بله أن يسأل عن غير هذا، وإن منهم من يذهب إلى الجامعة مسلما ويرجع ملحدا لأنه ضحل المعرفة التي تجعله قادرا على مواجهة الانحرافات الفكرية والشبهات العقدية التي تعج بها حلقاتها.
هذا نزر من واقع المعرفة الإسلامية الذي عشته وعاينته، أما عن الأخلاق فذاك أمر تشيب لهوله نواصي الولدان؛ ويكفي دليلا على الإفلاس في هذا المجال ما نسمعه عن شبكات الدعارة لتلميذات الإعدادي أو الثانوي أو طالبات الجامعة.
تلك الجامعة التي لم تعد إلا فضاء للتحرر من رقابة الأهل والأقارب والمعارف ليفعل الطلاب كل ما يحلو لهم من موبقات، أين أثر سنوات من التربية الإسلامية إذن؟
ألا يدل هذا على الخلل الكبير في ما يتعلق بتدريس المادة الذي ينبغي تداركه حالا وبلا تردد؛ إن كنا نريد لهذا الوطن وشعبه المسلم الخير والرشاد.
لكن يبدو والله أعلم أن هذا الطلب سيبقى أمنية بعيدة المنال ما دام تعليمنا يتحكم في رقبته قوم رضوا العلمانية دينا ومنهجا؛ وجعلوا من الإسلام ثقافة ومعلومات قصد الاطلاع لا غير، ويستمر الإقصاء والقادم يعلمه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *