التربية الإسلامية في إطار ربط التربية بالتعليم يجب أن تكون هدفا، وليس مادة، هدفا ينبغي أن تسعى إليه كل المواد، كل المواد ينبغي أن تحقق في شخصية المتعلم تربية إسلامية
إن موضوع التعليم والتربية هو من المواضيع التي شغلت بال الباحثين والدارسين، ورجال التربية القائمين على هذا الشأن خاصة في هذا العصر الذي صار الإسلام فيه يواجه من التغريب وموجات الانحلال لإبعاد الناس عن دين الله عز وجل، وفصلهم عن هويتهم وحضارتهم، فالتعليم في المنظور الإسلامي لا ينفصل أبدا عن التربية، بل إن العلم إنما جاء لتربية هذا الإنسان، وربطه بالله عز وجل، وبالمشروع الحضاري الإسلامي لإقامة الدين في الأرض، ولذلك نلاحظ أن الله عز وجل ربط بين العلم والتربية، قال تعالى: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ” (محمد)، فهما أمران متتابعان: (اعلم واستغفر، علم وعمل). وقد بوَّب لذلك الإمام البخاري رحمه الله بقوله: ( باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ”، وذكر في الترجمة قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “كونوا ربانيين: فقهاء علماء، والرباني الذي يعلّم الناس بصغار العلم قبل كباره”، فلا فصل ثمة بين التعليم والتربية.
ومن سير السلف الصالح رضي الله عنهم نقتبس هذا النهج، فهذه أم مالك العالية بنت شريك كانت تعلم ابنها وترسله إلى ربيعة الرأي، وتقول له: (تعلم من أدبه قبل علمه).
ونحن اليوم إذ نرى واقع التعليم في البلاد الإسلامية، نجد أن مسؤوليتها أمام الله عز وجل يوم القيامة عظيمة، وأنها أمة فرطت في جانب التربية والخُلـُق، وجعلت التعليم تعليما مهنيا، تعليما لتخريج الموظفين فحسب، وليس لتربية المجتمع وهدايته وتأطيره، ولا نرى هذا إلا في أمة نسيت عقيدتها وأصولها، أما الأمم التي لها أصول، فهي لا تنفصل أبدا عن أصولها، فهذه جماعة (الجيزويست) الكنسية تعتمد التعليم المسيحي والأصول المسيحية في التربية، ولا تقدم على ذلك شيئا. وكذلك اليهود مهما بلغوا في التطور العلمي والتكنولوجي لا ينفكون عن عقائدهم في تعليمهم. والمؤسف أن أسس هذه التعاليم سواء كانت صهيونية جديدة أو من ثمار ما بعد الصهيونية أو صهيونية كلاسيكية أو دينية أصولية فهي في كل الأحوال تجذر العنف وتدعو إلى الإبادة وقتل الشيوخ والنساء والأطفال وتمتد إلى البقر والحمير والشجر، وتقدَّم على شكل عقائد ونصوص وتشريعات يهودية للأطفال يجب الالتزام بها كما ورد في التوراة عن يشوع بن نون المقرر في المرحلة الابتدائية.
مع مجيء الاستعمار إلى بلدان العالم الإسلامي كان هذا الفصل النكد بين التربية والتعليم، حيث أصبح للتعليم أغراض أخرى غير الأغراض التي كانت محددة سلفا في النظام التربوي للتعليم الإسلامي، حيث ارتبط بسوق المادة، وارتبط بسوق الشغل، وما شاكل ذلك، وهذا ليس عيبا بإطلاق، ولكن المشكل أن جانب التربية قد أخذ يضعف ويضمحل في النظام التربوي المعاصر، حتى انتهى أمره.
الحقيقة أن نظامنا التعليمي الحالي صورة من صور التعليم في العالم العربي والإسلامي قد انفصلت فيه التربية عن التعليم، في البرامج والمناهج والوسائل، ولذلك فتدريس مادة التربية الإسلامية بوضعها مادة في نظامنا التربوي والتعليمي هو نوع من العلمانية: كأننا نكرس صورة مفادها أن العلوم الأخرى التي يدرسها الطالب من تاريخ، وجغرافيا، وفلسفة، ولغات، إلخ، ليس من شأنها أن تؤدي إلى تربية إسلامية!
لذلك تجد التلاميذ الآن في المؤسسات التعليمية قد يعيبون على أستاذ التربية الإسلامية مجموعة من التصرفات، كالتدخين وغيره، في حين لا يعيبون هذا التصرف نفسه على أستاذ اللغة الفرنسية، أو العربية، أو الرياضيات!
ولذلك فالتربية الإسلامية في إطار ربط التربية بالتعليم يجب أن تكون هدفا، وليس مادة، هدفا ينبغي أن تسعى إليه كل المواد، كل المواد ينبغي أن تحقق في شخصية المتعلم تربية إسلامية، لكن الذي حصل هو أن التربية انفصلت عن التعليم، وأصبح رجل التعليم الآن في المؤسسات الابتدائية والثانوية وغيرها يمارس التعليم ولا يمارس التربية، باعتباره مسؤولا عن تقديم مجموعة من المعارف ليس إلا، الأمر الذي أنتج هذا الأثر السيء في سلوك المتعلمين الآن، على اعتبار أن ما يدرسونه في المؤسسات التعليمية مجموعة من المعارف، يطلب منهم استظهارها في نهاية الاختبارات السنوية أو الفصلية، دون أن يكون لهاته المعارف انعكاسات سلوكية على تصرفات المتعلمين، سواء تجاه أنفسهم، أو تجاه خالقهم، أو تجاه مجتمعهم.
فلا مجال لإعادة الاعتبار لأساتذة التعليم مرة أخرى إلا بإعادة ربطهم بالتربية وفقا للنسق القرآني القائم على: العلم، والحكمة والتزكية، قال تعالى: “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ” البقرة.