الظهير البربري وتحفيز الشباب على العمل الوطني

يرجع الفضل يعد الله تعالى في اكتشاف الظهير البربري، وإفشاء سره للشباب الوطني بسلا، قبل إعلانه بالجريدة الرسمية إلى عبد اللطيف الصبيحي الموظف بالإدارة الشريفة بالرباط.
فحين شاع الخبر توافد الشباب السلوي على الشاطئ، بعيدا عن أعين المخبرين، وشكلوا حلقة لمناقشة أبعاد الظهير وأخطاره، ثم اتخاذ موقف وطني يلتزم به الجميع.
ومن خلال المناقشة برز رأيان: أحدهما يدعو إلى مقاومة الظهير البربري بالمظاهرات والاحتجاجات ونادى به عبد اللطيف الصبيحي، وثانيهما دعا فيه محمد اشماعو إلى الرجوع إلى الله، فتساءل أحد المناقشين عن كيفية ذلك، فقال عبد الكريم حجي: بقراءة اللطيف.
وبعد أن اقتنعت الجماعة بهذا الرأي لما يعبر عنه من استنكار واحتجاج ورفض، بأسلوب ديني قوي المفعول، اتصل بعضهم بالفقيه الشيخ علي عواد، خطيب أكبر مساجد سلا، لما يحظى به من احترام وتقدير، أخبروه بما قر عليه قرارهم، ودعوه إلى مساعدتهم بتعريف الناس بحقيقة الظهير البربري وبمراميه الخطيرة وإشاعة قراءة اللطيف بينهم إثر الصلاة.
وسرعان ما اهتدت أو استجابت العديد من المدن المغربية، مثل الرباط وفاس والدار البيضاء، ومراكش، وتطوان، إلى قراءة اللطيف.
ومن الخطب التي ألقيت بالرباط احتجاجا على الظهير البربري، خطبة عبد الله الجراري التي ألقاها بعد الانتهاء من صلاة الجمعة وتعرض بسببها للسجن، ولقيت الصدى الحميد في الأوساط الشعبية ومما جاء في هذه الخطبة:
“أبناء وطني الأعزاء، لقد عيل الصبر وضاق الصبر، وتحركت السواكن وانتفضت الأعصاب، مما أقض المضجع، وأقلق الراحة، ذلك أن ساسة فرنسا صرحوا غير ما مرة، في ما سطروا وحرروا من وثائق ورسائل، أنهم ما احتلوا بقعة المغرب إلا لينتقموا للبربر من العرب الذين احتلوها وسلبوهم المسيحية من أفئدتهم، فهم طال الأمد أم قصر، لا بد أن يعملوا على إرجاعهم إلى حظيرة الكثلكة والصليب…”.
وفي فاس، أخبر الكومندار (ميلي)، رئيس إدارة الاستعلامات، بتاريخ 4 صفر 1349 جماعة من العلماء بأمر الظهير البربري، وفي اليوم الثاني والعشرين من الشهر نفسه اتفقت جماعة زعماء الشبان على إخراج اللطيف بجامع القرويين، وذلك بعد أن تعاهدوا وحلفوا على المصحف الشريف بأنهم يضحون بكل ما لديهم من وسائل، ولو بأرواحهم، في سبيل تنفيذ ما تتفق عليه الجماعة من المشروعات النافعة لوطنهم.
ونظرا لما حققته قراءة اللطيف من التفاف حول الحركة الوطنية الفتية، ومن استجابة شعبية واسعة لدعوتها إلى رفض الظهير البربري المفرق بين عناصر الأمة، ونظرا لما حققته من وحدة واتحاد بين سائر فئات الشعب وعناصره وطبقاته، ولما أظهرته من قوة المغاربة عقيدة وعددا وإدارة، فقد قابلتها إدارة الحماية بالمنع والاعتقال والتعسف والسجن. وقد انبعث عن الحشود القارئة للطيف وفد من وطنيي فاس قدم عريضة إلى جلالة السلطان في يوم 23 غشت 1930، وقد تأسست في مساء يوم تقديم العريضة جماعة للكفاح في فاس وأدى أفرادها يمين الإخلاص لله والوطن والملك. انظر الوطنية في النثر المغربي الحدي لأحمد زيادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *