في 17 و18 من ماي المنصرم نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بمدينة مراكش مؤتمرها الثاني الذي حمل عنوان “الخطاب الديني: إشكالاته وتحدّيات التجديد”، وقد تم خلال المؤتمر تكريم الدكتور المصري حسن حنفي بكونه «مفكرا وباحثا، وأحد أهم المفكرين العرب المعاصرين وصاحب إنتاج علمي وفلسفي قوي ومتميز»!!
ولا يخفى على متابع للشأن الثقافي والفكري أن حسن حنفي أحد العلمانيين العتاة، وأن مشروعه هو صياغة التقدم الحضاري في مجتمعاتنا من خلال التراث باعتباره عملا إنسانياً لا دينياً، يستند إلى المذاهب والفرق والاختيارات بينها، ولا يستدل بالنص المقدس، إذ أنه من خلال عنوان كتابه: (من العقيدة إلى الثورة) يختزل كل ما يريد أن يقوله، فالعقيدة (تراث) والثورة (تجديد)، والعقيدة اهتمام بالله والرسول وهذا يجب تجاوزه، والثورة اهتمام بالإنسان وهذا الذي يجب أن ننشغل به ونركز اهتمامنا حوله.
كما أن النبوة عنده قد انتهت والعقل الإنساني قادر على الوصول إلى الحقائق وتحقيق الأهداف دون النظر إلى أي عامل خارجي، وأهم عامل خارجي يجب استبعاده هو الوحي.
يقول في هذا الإطار: «وهل تجب النبوة لحاجات عملية أي للتنفيذ والتحقيق وأداء الرسالة مادام الإنسان غير قادر على سن القوانين وتأسيس الشرائع وإقامة الدول أو تجنيد الجماهير وتوجيه الأمم وفتح البلدان، ألا يمكن للعقل قيادة المجتمعات مثل قيادة الإمام لها، هناك أيضا العقل الاجتماعي؛ والعقل السياسي؛ والعقل التاريخي؛ لوضع القوانين وسن الشرائع.. إن العقل ليس بحاجة إلى عون، وليس هناك ما يند عن العقل. هل استطاعت النبوة أن تخفف من نقائص الإنسان وهي أول من يعترف بها؟» -مستنكراً أن تكون النبوة قادرة على أن تملأ المجتمعات بالحركة والفاعلية-. (من العقيدة إلى الثورة).
وهو يركز نقده على الأقدمين (السلف) لاحتمائهم بالوحي والرسالة والعلماء، وهذا عنده نوع من عبادة الأشخاص وتشخيص الأفكار.
ثم هو يربط هذه القضية مع تصوره لما حدث في التاريخ من إخضاع الناس لسلطان الله وسلطان الزمان، وهذا عنده قمة الانحطاط، إذ يعتبر أن دعاء الله تعالى هو نوع تملق ونفاق وضعف لا يصح ويعادل التملق والنفاق للسلاطين.
وبالتالي مشروعه هو إسقاط هذين السلطانين إذ يمثلان العقيدة.. ثم إرجاع هذا السلطان إلى الشعب أي الثورة.
يقول في هذا: وأحيانا تختلط المقدمات الإيمانية التقليدية بين الحمد والثناء عليه (أي الرب سبحانه وتعالى) وبين الدعوة للسلطة والتزلف إليها.. فلا فرق بين الثناء على الله والثناء على السلطان كلاهما يصدران عن بناء نفسي واحد.. فالثناء على الله تدعيم للثناء على السلطان، والثناء على السلطان نابع من الثناء على الله. وكلاهما قضاء على الذاتية، ذاتية الأفراد وذاتية الشعوب. (من العقيدة إلى الثورة).
وقال: إذا كانت بعض المقدمات الإيمانية القديمة تبدأ فقط: (باسم الله الرحمن الرحيم)، فإننا نبدأ (باسم الأمة) فالله والأمة واجهتان لشيء واحد بنص القرآن.
ويقول: إذن عبارات؛ الله عالم، الله قادر، الله حي، الله سميع، الله بصير، الله متكلم، الله مريد، إنما تعكس مجتمعا جاهلاً عاجزاً ميتا لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم، مسلوب الإرادة، وبالتالي يكشف الفكر الديني الذي يجعل الله موضوعا في قضايا من هذا النوع عن الظروف الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع الذي تطلق في أمثال هذه القضايا، فالله كموضوع في قضية خير مشجب لأماني البشر، وأصقل مرآة تعكس أحلامهم وإحباطاتهم. (من العقيدة إلى الثورة).
كما يعتبر حسن حنفي القرآن مجرد نص إنساني (من خلال فذلكة معينة يطول شرحها كما هو قول عامة هذه الزمرة أمثال أركون ونصر حامد أبو زيد وغيرهم) يقول متسائلا مقررا:
– ففي موضوع النبوة ما العيب في القول بأن نظم القرآن ليس بمعجز في ثقافة تقوم على الإبداع الشعري واللغوي؟؟
ليس القرآن كتاب تحليل وتحريم بل كتاب فكر، وليس الغرض منه تغليف العالم بقوانين وتقييد السلوك الإنساني بقواعد بل مساعدة الطبيعة على الازدهار والحياة على النماء.. وما أسهل أن يولد الدفاع عن حق الله دفاعا مضاداً عن حق الإنسان. (من العقيدة إلى الثورة).
بل ويتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم على صورة من السياسي الذي لا يقيم شأناً للمبادئ والقيم على حساب المصالح والنتائج، ولذلك عندما سئل عن حادثة الغرانيق (وهي قصة مكذوبة مفادها أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد لأصنام قريش حتى يقربهم للإسلام) أقر هذه القضية وأيد ما قاله الزنديق سلمان رشدي في آياته الشيطانية، وصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبل هذا العرض، وهذا ما دفع الشيوعي الأوقح عبارة (صادق جلال العظم) في كتابه (ذهنية التحريم) أن يثني على موقف حسن حنفي هذا واعتبره قمة العلم والموضوعية. (ألا لعنة الله على الظالمين).
أما ما يخص الشريعة وتبديلها وتعديلها لموافقة روح العصر -كما يزعم- فهو موقف ينطلق من منطلق التصورات والعقائد السابقة، فهو يرى أن الشريعة يجب أن تتبدل كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
هذا هو حسن حنفي، وهذه أفكاره وتقريراته وعقائده، وما تعظيمه وتبجيله إلا عمل جرى عليه العلمانيون مع كل رجل يريد سلب إيمان الأمة والتصاقها بدينها، وقد صار واضحا لكل ذي عينين مبصرتين أن تطبيل أزلام الفكر العلماني ما هو إلا من قبيل النفخ في رموز استمرأت الهجوم على مقدساتنا وديننا. (انظر: حسن حنفي زندقة اليسار الديني؛ عمر بن محمود أبو عمر).