يا شام.. قد لاح فجرك فاصبري مصطفى الونسافي

لما ضاق صدر رسول الله عليه الصلاة والسلام بما يقوله ويفعله الكفار والمنافقون، واشتدت معاناته ومن معه من المسلمين، واستعجلوا الفرج، واستشرفت نفوسهم لنصر قريب، أوحى ذو الجلال لعبده صلى الله عليه وسلم أن اصبر: {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}، إنهم آتيهم عذاب غير مردود، وإنما يؤخره سبحانه إلى وقت معلوم، ليستدرج كل جبار إلى مصرعه، وليميز الخبيث من الطيب، فيظهر المنافق من المؤمن، وتتمايز الصفوف، وفي ذلك من جمع شمل الأمة، وتقوية شوكتها، وتمتين بنائها، ما لا يعلمه إلا الله.
واليوم نرى سنة الله تلك أوضح ما تكون في الحرب الضروس التي تدور رحاها بالشام، حرب يستبيح فيها عدو باطني منافق مدعوم من الشرق والغرب دماء وأعراض المسلمين، ويذيقهم أبشع صنوف التنكيل؛ فهي أحداث مزلزلة، وبلاء عظيم.
لكن سنة الله اقتضت كذلك أن النصر رديف الصبر، واليسر يعقب العسر، والفرج يتبع الشدة، والفجر بازغ وإن طال ليل الطغاة، فها هي بشائر النصر تلوح في أفق الثورة المجيدة، كيف وقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ” [صححه الألباني في صحيح الترغيب]؛ وعن زيد بن ثابت قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، إذ قال: “طوبَى للشّامِ، طوبَى للشّامِ” قلت: ما بال الشّامِ؟ قال: “الملائكةُ باسِطو أجْنِحَتِها على الشّام” [حسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي والمنذري والألباني].
إنها أرض مباركة، وأهلها مباركون، ولن يُخذل بلد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “اللّهُم بَارِك لَنا في شَامِنا” [رواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة]؛ وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صَفْوَةُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَرْضِهِ الشَّامُ، وَفِيهَا صَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ” [المعجم الكبير للطبراني، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة]؛ وقال عليه الصلاة والسلام: “ألا إنّ الإيمان إذا وَقعَتِ الفِتنُ بالشّام” [صححه الألباني في فضائل الشام ودمشق].
إن العالم أجمع يقف اليوم مشدوهاً مذهولاً من ثبات وصبر رجالٍ قِلّة لا ناصر لهم ولا معين -بعد الله- في مواجهة سفاح مجرم مدعوم في العلن من أعتى القوى العسكرية في المنطقة، وهما روسيا والصين وإيران، وتسانده في السر كل قوى الشر والإجرام في العالم؛ وأمام المؤامرة الكبرى بحق الشام وأهله، يصمد أولئك الأبطال ويستبسلون، إعلاءً لكلمة الله، ويستميتون في الذود عن دماء وأعراض المستضعفين من النساء والولدان، حفظاً لكرامة الأمة.
وتلك والله كرامة من الله لأوليائه، وتصديق لقول نبيه الكريم: “سَيَكُونُ جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ؛ فَقَالَ رَجُلٌ: فَخِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “عَلَيْكَ بِالشَّامِ، عَلَيْكَ بِالشَّامِ، عَلَيْكَ بِالشَّامِ” [رواه أحمد وغيره]؛ وقوله عليه الصلاة والسلام: “فُسْطاط المسلمين -أي حصن المسلمين الذي يتحصنون به- يومَ المَلْحَمةِ بالغُوطةِ، إلى جانب مدينة يُقالُ لها دمشقُ، من خيرِ مدائنِ الشّام” [صححه الألباني في فضائل الشام ودمشق].
فصبراً يا أهل الشام، فقد دنا الفرج وأزف النصر، ولن يدوم حال الظالمين، فالله بالمرصاد لكل مجرم، وهو من يُقدِّر نهاية الظالم، متى؟ وكيف؟ {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}، فامضوا وانصروا دينكم {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَّنصُرُه، إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *