أثار الفيلم السينمائي الكوميدي “الإخوان”، كثيرا من الجدل، وذلك بسبب استفزازه لمشاعر عدد كبير من المواطنين المغاربة، الذين اعتبروا أن مضمونه يسيء لسمعة الشخص المتدين، والدين الإسلامي أيضا، كماأن رسائله لا تقتصر فقط على محاصرة التطرف في المجتمع من خلال استهداف فئة محدودة، بل تسعى إلى التعميم، ومحاربة شعائر دينية مقابل التطبيع مع كبائر ومحرمات معلومة من الدين بالضرورة.
الفيلم المثير أنتجته شركة “SW MEDIA”، لصاحبها إدريس شحتان، المدير العام للمجموعة الإعلامية المكونة من “شوف تيفي” وجريدة “المشعل”، وصاحب فكرته وكاتب السناريو شخص متطفل على الميدان، ويتعلق الأمر بالفكاهي عبد العالي لمهر، الشهير بلقب “طاليس”.
يحكي الفيلم، عن قصة ثلاثة أصدقاء (زريقة، الشارو، عبد الصادق)، يعتبرون أنفسهم “إخـْوة” فيما بينهم، ينحدرون من حي صفيحي بالدار البيضاء، لكل واحد منهم قصته وهمومه ومشاكله، لكن يشتركون في مسألة واحدة هي الفشل في حياتهم التي يطبعها الفقر المادي والعاطفي والعائلي والبطالة والتهميش والفراغ.
وبعد التزامهم من أجل جلب احترام الناس (ليس لله)، واتصالهم بالفقيه “سلام”، يقعون ضحية تغرير، حيث تم استقطابهم وغسل أفكارهم مستغلين سذاجتهم وطيشهم بعد “البوز” الذي خلقه أحد الفيديوهات الذي صوره الإخوان وتم تسريبه على الإنترنت ليكون سببا في إصدار مذكرة بحث أمنية في حقهم عبر التراب الوطني.
ويذكرنا فيلم “الإخوان” بفيلم “موت للبيع” لفوزي بنسعيدي، الذي أنتجته الشركة البلجيكية Entre Chien et Loup، والذي صور أيضا مسار ثلاثة أصدقاء (مالك وعلال وسفيان) في مدينة تطوان، يعانون البطالة والتهميش ويرتمون في أحضان عالم الدعارة ويعيشون على السرقة والنهب وبيع المخدرات، وتغلي في داخلهم حمم بركان الانتقام والغضب والحسد.
فيلم “موت للبيع”، والذي يندرج ضمن أفلام التطبيع مع الرهاب من الإسلام (الإسلاموفبيا)، يروي أن سفيان يقع في قبضة “عصابة” من المتطرفين السلفيين الذين باعوا له الموت مقابل الجنة، وطالبوه بقتل بائع مجوهرات “يهودي الديانة”، ولرمزية الديانة اليهودية هنا كثير من الدلالات، كما لا يخفى.
ووفق ما ذكره الناقد والمخرج السينمائي المغربي، الحاصل على دبلوم الإخراج من معهد بوسطن السينمائي، حسن بنشليخة، في كتابه “السينما المغربية والعولمة”:
فقد أطلق مخرج “موت للبيع” “العنان لنفسيته المريضة وقدم صورة مشوهة متعمدة، ترمي إلى أن السلفيين وحوش مهووسون ساديون في حالة الهياج العصبي يتحصنون في قمم الجبال وفي أدغال الغابات ويحملون السيوف (في إشارة واضحة أن الإسلام دين عنيف انتشر بالسيف)، ويتدربون ليل نهار وكأنهم يهيئون أنفسهم لإعلان الحرب على الجميع.
ورسالة الفيلم المبطنة أتت على شكل تحذير أنه إذا ترك السلفيون لأنفسهم فسوف يفاجئون المغاربة بعقليتهم المتشددة آسفين، لأن العنف والقتل والتعصب وهواية سفك الدماء هي مهنتهم التي تقربهم من اللهبشكل كبير”.
وأشار بنشليخةفي كتابه المذكور إلى أن “هذه الفيروسات المتفشية على خرائط الموت والحياة عن الدين الإسلامي هي التي أقنعت المهرجانات السينمائية الدولية بالاحتفاء بفيلم بنسعيدي وهيأت له البساط الأحمر ليتلذذ بإحساس الشهرة وسط لمعان إعلامي مصاحب لافت للنظر”.
وفيما يخص رسالة فيلم “يا خيل الله اركبي” أكد الناقد السينمائي المغربي أن رسالة الفيلم الفرنسي العنصري، الذي تسابق على الجائزة الكبرى في مهرجان مراكش عام 2012 وخرج خالي الوفاض، تتلخص في أن ”اليهود والنصارى أعداء الله وأعداء الإسلام فاقتلوهم حيث وجدتموهم والجنة مأواكم”.
وكشف بنشليخة أن “من بين الشركات التي مولت هذا الفيلم لمخرجه -فرنسي الجنسية-نبيل عيوش، شركة ستون أنجلز Stone Angels التي يترأسها الفرنسي Pierre-Ange Pogam وشركة Artemis Productions التي أسسها Patrick Quinet وشركة YC Alligator Film التي يديرها المنتج Eric Van Beuren وشركة Les Films du Nouveau Monde التي تسيرها Martine Cohen. كما استفاد من صندوق الدعم للإنتاج السمعي البصري من المنظمة الدولية للفرنكوفونية التي تمارس ورقة ضغط سياسية هائلة على مهرجان “كان” الفرنسي لقبول الأفلام الفركوفونية.
وأضاف “أول ما يستوقفنا في الفيلم هو العنوان نفسه حيث فضله المخرج على عنوان الرواية المقتبسة “نجوم سيدي مومن” لكاتبها المغربي “ماحي بينبين”، وأيا كان من اقترح هذا العنوان المريع على المخرج فقد فهم مقصده الذي يأخذ بالأرواح ويعمق الوباء النفسي، والتعميم الإيديولوجي المستقى من أمهات كتب مستشرقي القرن التاسع عشر، الذين ربطوا فكرة “الخيل” بفتوحات وانتشار الإسلام، ورأوا فيها تلك “الحيوانات” المدربة والجاهزة لترهيب أعداء الله وقذف الرعب في قلوبهم وإغراق الشعوب في بحر من الثأر والدماء”..
وأخطر ما في الفيلم الأرضية “التي يتم من خلالها تجنيد وتأطير وتدريب الشباب المتطوعين من طرف “السلفيين المتعصبين” لتحويلهم إلى إرهابيين مستعدين للاستشهاد في سبيل الله بإلحاق أكبر الضرر والأذى الممكن باليهود والنصارى والأبرياء والممتلكات.
هكذا يلخص لنا نبيل عيوش الدين الإسلامي، بكثير من “الاحتقار” الساذج الأبله، ما يمكن أن يحدث في المجتمع المتدين الذي يسيطر عليه بعض “الفاشيين المتدينين” من الأئمة (ذوي السوابق الإجرامية كما جاء في الفيلم) ويستغلون الفقراء من الشباب السذج والأميين ويرسلوهم إلى أمكنة يتمنى معها الإنسان ألا يحمله قدره إلى عتباتهم”.
ومن التقنيات الدقيقة التي كشفها مخرج “مرحبا بكم في هوليود”، أن من بين الأشياء التي يختفي وراءها فيلم “يا خيل الله” ليقنعنا أنه يرصد “الواقع” لا أكثر، استحضار ماضي طفولة أبطال فيلمه وبيئتهم الفقيرة والتوتر وارتفاع معدلات العنف والجريمة والدعارة والمخدرات والكحول والشذوذ الجنسي وسلسلة من القضايا الأخرى لقصف المشاهد مباشرة.
هذه التقنية، يضيف بنشليخة، تسمى في علم فلسفة الأفلام بصورة “الرصاصة السحرية” اخترعتها مؤسسة باين للدراسات Payne FundStudies لاكتشاف أثر الأفلام على سلوك وآراء البشر. ومن النتائج التي توصلت إليها بحوث هذه المؤسسة أن الصورة الصادمة هي بمثابة “رصاصة” تطلق من فوهة مسدس على المشاهدين وتحقق أهدافها على الفور. واستغلت هوليوود هذا الاكتشاف وطورته بتقنياتها الخاصة وبسطت الصورة وصنعت منها وسيلة لإدهاش الحواس وصدم الجهاز العصبي الأمر الذي يجعل المتفرج يستغني عن التفكير فيما يعرض أمامه.
وقلد عيوش (مع غياب الفهم) هذهالتقنية الهوليوودية وأفرغ الصورة من التعقيد بـ”التلكؤ السلبي” وغياب الأطروحة الهامة لنبش نبض المخزون الذهني المعادي للإسلام. وغلف الصورة بـ”سخرية إيديولوجية” تمرغ فيها بكل جوارحه، لتناسب حدود جمهور معين لانتزاع الاستجابة المطلوبة.
هذا النهج في الاخراج كما هو متعارف عليه اليوم في سينما هوليوود يسمى “نظرية الصورة الجاهزة” لاشتقاق اللذة من النظر Scopophilia والتلاعب بالعواطف مع الرجيج المسيل للدموع. وبما أن عيوش يستعمل الصورة على الطريقة الهوليوودية لترويع المشاهد، فقد أثقل فيلمه بما فيه الكفاية لخلق الشعور بالإثارة للحصول على الآثارالسلبية”اهـ.
والخلاصة أن أفلام “الإخوان” و”موت للبيع” و”ياخيل الله اركبي” وغيرها من الإنتاجات السينمائية “المغربية”، تستهدف المتدينين المغاربة بأسلوب خسيس، يدعي في الظاهر محاربة التطرف؛ لكنه في الجوهر يروم التعميم، ويستهدف التدين المغربي بحد ذاته، خدمة لأجندات خارجية ومرجعيات وأيديولوجيات متطرفة، لا تقل خطورة عمن يتبنى العنف والقوة والإرهاب أسلوبا ومنهجا للتغيير والتدافع.