أما توحيد الربوبية فمعناه: إفراد الله بالخلق والملك والتدبير.
أي الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى هو صاحب الخلق المطلق والملك المطلق والتدبير المطلق، وأنه لا شريك له في ذلك.
أما توحيد الألوهية فمعناه: الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
وهو لازم للأول؛ أي: كما أن الله هو الخالق المالك؛ فهو المستحق للعبادة وحده.
والتفريق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية واجب لا يصح فهم التوحيد إلا به:
قال الإمام البخاري رحمه الله في جامعه الصحيح:
باب قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}.
وقوله جل ذكره: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
وقوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}.
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ}.
قال عكرمة: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ}
و{مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره”اهـ.
قال الحافظ في الشرح: قوله: ( وقال عكرمة إلخ).
وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ هَنَّاد بْن السَّرِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ سِمَاك بْن حَرْب عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى (وَمَا يُؤْمِن أَكْثَرُهُمْ بِاَللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قَالَ يَسْأَلهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ وَمَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض؟ فَيَقُولُونَ: اللَّهُ فَذَلِكَ إِيمَانهمْ وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْره.
وَمِنْ طَرِيق يَزِيد بْن الْفَضْل الثَّمَانِيّ عَنْ عِكْرِمَة فِي هَذِهِ الْآيَة: (وَمَا يُؤْمِن أَكْثَرهمْ بِاَللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قَالَ هُوَ قَوْل اللَّه (وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه) فَإِذَا سُئِلُوا عَنْ اللَّه وَعَنْ صِفَته وَصَفُوهُ بِغَيْرِ صِفَته وَجَعَلُوا لَهُ وَلَدًا وَأَشْرَكُوا بِهِ.
وَبِأَسَانِيد صَحِيحَة عَنْ عَطَاء وَعَنْ مُجَاهِد نَحْوه.
وَبِسَنَدٍ حَسَن مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: مِنْ إِيمَانهمْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَمَنْ خَلَقَ الْأَرْض وَمَنْ خَلَقَ الْجِبَال قَالُوا اللَّه وَهُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ”اهـ.
فالسلف كانوا يفرقون بين الألوهية والربوبية كما دل على ذلك النص.