إلى متى يستمر حصار العلمانيين للعلماء في المغرب؟ إبراهيم الطالب

سبق أن نشرت جريدة العلم عدد 20423 بتاريخ 18 ماي 2006، قصة تؤرخ لنا بدايات الصراع بين العلمانية والإسلام في المغرب، وتحكي واقعة عاشها الصحفي عبد الجبار السحيمي حين قام بتغطية لقاء هام مع شبيبة حزب الاستقلال تقرر فيه أن يلقي كل من علال الفاسي وابن بركة كلمة لتنشيط اللقاء، وفي طريقهما رافقهما راوي القصة بوصفه صحفيا بجريدة “العلم”، وحكى لنا كيف قام المهدي بن بركة واعظا “يحرض الزعيم علال الفاسي على أن تتضمن كلمته توجيها دينيا إلى شبيبة الحزب حتى لا يسقطوا في حبائل تيارات الانحلال والزندقة وحتى يتمثلوا القيم الإسلامية، وليس أفضل من سي علال من يتصدى لهذا الموضوع الهام”.
“غير أن ما أثار استغرابي -يقول عبد الجبار السحيمي- أن المهدي بن بركة لما أخذ الكلمة بعد الزعيم علال الفاسي ذهب بعيدا عن الموضوع الذي أشار به على الزعيم إذ شحن الشبيبة بنقيض ذلك التوجه، ووجههم إلى رفض الغيبيات وإلى التحرر من المقولات التي لا يقبلها العقل وبشر بالعلوم الجديدة ونهضة الشعب ويقظة الشباب، بعيدا عن الطقوس وما اعتبره أساطير وخرافات”.انظر كلمة العدد 17.
كانت هذه هي بدايات العلمانيين في حربهم المكشوفة على الغيبيات وعلى تعاليم الإسلام التي يعتبرونها أساطير وخرافات تحول دون نهضة الشعب ويقظة الشباب، وما دام العلماء هم من يعمل على استمرار التزام المواطنين بدينهم، فإن العلمانيين قد تبنوا منذ فجر الاستقلال خطة تتكون من شقين أحدهما رفع القدسية عن كل نص ديني ولو كان قرآنا والعبث بتفسيره، والشق الثاني إسقاط رمز العالم وحصاره حتى لا يؤدي دوره في إيقاظ همم المواطنين للتمسك بالقرآن والسنة.
واستمر تنفيذ الخطة إلى يومنا هذا، فكان آخر تمظهر له هو الحملة التي شنتها كل الصحف العلمانية على الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي خلا عشرة أيام متتالية لمجرد قوله بجواز تزويج البنت الصغيرة.
فما الذي يدفع العلمانيين إلى حصار العلماء وشن الحملات عليهم بمناسبة وبغير مناسبة؟
أسباب الحصار العلماني للعلماء والدين
يمكن أن نجمل كل الأسباب في سبب واحد وهو اختلاف المرجعية العقدية، فإذا كانت مرجعية العلماء فيما ينتجونه من خطاب ديني تتمثل بالأساس في القرآن والسنة، فإن مرجعية العلمانيين صحفيين وسياسيين وكتابا تنحصر في القوانين الوضعية وما تنتجه المنظمات الدولية من توصيات وقرارات تبنى على أسس علمانية لا تقيم للحدود الشرعية ولا للأوامر الإلهية وزنا، لأنها لا تعترف بالله سبحانه مشرعا.
أما اعترفها بالديانات السماوية فمن باب ضمانها لحرية الاعتقاد التي لا تعترف فيها لله إلا بألوهية ممزوجة بكل مظاهر الشرك حيث تعتبر البوذية ديانة صحيحة وتعترف بها رسميا، أما توحيد الربوبية فقد ألغته منذ قرون واعتبرت أن الله سبحانه لم يبق له من العالم إلى أماكن العبادة -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-، وأما تدبير شئون الدول وتشريع القوانين فهذا خاص بالإنسان، ولا دخل للدين ولا للعلماء فيه.
لقد ظل الفلاسفة والسياسيون والشعراء العلمانيون الغربيون ينافحون عن تصوراتهم العلمانية للوجود، حتى تمكنوا من إقرارها في مضامين القوانين والتشريعات والكتب والمقررات المدرسية، ولكون العلماء في البلاد الإسلامية قد عزلوا عن مواقعهم وحيل بينهم وبين تدبير شئون الناس فقد سهل على الغرب العلماني أن ينشر كل أفكاره المنحرفة بين المسلمين، ويُمَكِّن لها عبر منظماته التي تلوِّح بالعقوبات عند كل مخالفة لما توصي به، وتهدد بقطع القروض والمنح في حالة عدم الاستجابة للإملاءات، حتى أصبح لدى العلمانيين المغاربة الجرأة الكافية لينكروا المعلوم من الدين بالضرورة، ويردوا نصوص القرآن والسنة دون معقب ولا زاجر ما دامت لهم الحماية الكاملة التي تذكر بالحماية القنصلية التي كانت توفرها الدول المحتلة لمن يعمل على تنفيذ أطماعها في البلاد.
إن المفاهيم الغربية حول العدل والحرية والحق والمساواة مفاهيم لا ترقى إلى مستوى تكريم الإنسان، لا ترقى إلى مستوى تجليات نصفه الروحي، فهي لا تخاطب إلا النصف المادي منه، ولا تكفل إلا ما يلبي الشهوة واللذة وذلك لكونهما يدران المال والذهب، فكل حدود الدين والقيم تنكسر وترفع أمام اللذات والشهوات والمال والذهب.
أما ما تروجه من مبادئ كحرية الاعتقاد والتدين والتفكير والتعبير فإنما يدافع عنها العلمانيون لأنها تعطيهم الوسيلة الناجعة لتدنيس المقدس ومحاربة أركان الإيمان كوجود الخالق لهذا الكون الواجب طاعته، وكالاعتقاد في الغيب من نار وجنة وعالم أخروي.
إن العلماء عند ممارستهم تعليم الناس دينهم، ينشرون فيهم التوحيد بأقسامه الثلاثة، فيسود الإيمان بأن الله خالق السموات والأرض هو المستحق للعبادة والطاعة، الشيء الذي يتعارض مع مفهوم الدولة المدنية التي لا تقر العلمانية بغيرها.
هذا في الحقيقة ما يدفع العلمانيين إلى محاصرة العلماء كلما أحسوا أنهم يهددون تصورهم حول الكون والإنسان والحياة، ومن أجل حمايتهم لهذا التصور أقاموا العديد من المعارك ضد العلماء نذكِّر ببعضها في المحور التالي.

نماذج من معارك العلمانيين ضد العلماء
في كل صحيفة علمانية ترمي بها آلات الطباعة ببلادنا، وفي كل كتاب علماني تنتجه دور النشر، وفي كل برنامج له صلة بالدين من قريب أو بعيد، إلا وتقرأ أو تسمع عبارات الطعن والشتم واللمز والهمز في العلماء وفي خطابهم الديني وفي تفسيرهم لنصوص القرآن والسنة، كما توقفك مَطالبهم بقراءة جديدة للوحيين تخضعهما لثقافة حقوق الإنسان العلمانية، حتى تحذف كل آية أو حديث فيه ذكر لليهود أو النصارى بسوء، أو فيه إلزام بارتداء الحجاب وغض البصر وحفظ الفرج، أو فيه أمر بجلد الزاني وبقطع يد السارق التي تقطع رقاب الناس اليوم وتنهب أموالهم.
ولا تمر سنة حتى تسمع جلبة وصياحا ربما أعقبته مسيرات منددة بالرجعية والانغلاق وبالأفكار التي تحث على الحقد والكراهية.
أليس هذا ما وقع في أمر المدونة الجديدة التي لم تكن لترى النور لولا استغلال العلمانيين للظروف الحرجة التي كانت تجتازها البلاد عقب الأعمال الإرهابية التي وقعت في الدار البيضاء؟
ألم يتظاهر العلمانيون عندما كتب الصحفي حسن السرات عن “تسونامي” الذي ضرب أندونيسيا وما جاورها، رابطا بينه وبين انتشار السياحة الجنسية، محذرا المغاربة من مغبة العاقبة نفسها لانتشار الزنا والسياحة الجنسية بالبلاد؟
فلماذا تظاهر عليه العلمانيون في مسيرة باب لعلو حاملين اللافتات، متوارين خلف محاربة الحقد والكراهية؟
تراهم لا يؤمنون بقوله تعالى: “قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ”الأنعام؟
أم تراهم فعلا لا يفقهون؟
لقد تظاهر العلمانيون يومها لأن المقال صرح بأن الله سبحانه يتصرف في الكون تصرف المالك في ملكه، ويعاقب من عصاه، بينما العلمانيون يرون أن الكون لا تتصرف فيه أية قوة غيبية وأن الزلازل والفيضانات ما هي إلا تمظهرات لقوى الطبيعة تفسَّر بالعلم لا بالأساطير، وأن الإنسان حر في جسده يفعل فيه ما يشاء، حر في تصرفاته لا يقيده وحي ولا قيم، وليس لأحد أن ينكر الزنا أو التبرج أو العري على الشاطئ، وإلا كان غرضا لحملة علمانية تحاصره، كما فعلوا برئيس المجلس العلمي السيد رضوان بنشقرون حين أذاعت قدرا وليس رغبة منها إحدى القنوات الوطنية خطبة له عن استفحال معصية العري والتبرج، فقامت قيامة القوم ولم تقعد؟
أليس المحاصر دكتورا متخصصا ورئيسا للمجلس العلمي وخطيبا بأكبر مسجد في المغرب؟ فلم المعارك التي شنتها الصحف العلمانية آنذاك؟
نخلص مما سبق إلى أن هجوم الصحف العلمانية والقناة الثانية على الشيخ الدكتور المغراوي لم يكن دفاعا عن البنات الصغيرات، وإنما هو دفاع عن رؤية العلمانيين للكون الذي يريدونه بدون إله، وللإنسان الذي يريدونه متحللا من كل خلق ودين، وللحياة التي يريدونها شهوة ولذة.
أليس هذه عقيدة من قال فيهم ربنا: “وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ”الأنعام؟
فهلا تحلى العلمانيون بالشجاعة وصرحوا بما يعتقدون وتركوا التترس وراء حقوق الإنسان والطفل والمرأة؟
وإذا كان للإنسان والطفل والمرأة حقوقا، فإن لله الذي خلقهم حقا يسبق حقوقهم، قال سبحانه: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” الذاريات.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “..حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا”.
فإلى متى يستمر حصار العلمانيين للعلماء واستهزاؤهم بالإسلام وأهله؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *