كنت كتبت مرة عن الاستشراق واستمراره وكنت ذكرت أن المستشرقين اليوم صاروا مرتزقة على أبواب المنظمات الصهيونية والماسونية والاستخبارات العالمية.
واليوم أزعم أن كثيرا من علماء الاجتماع العرب خصوصا أصحاب الأهواء والميولات المنحرفة صاروا مرتزقة أيضا أي صاروا مقاولات صغرى للخدمات الاستخباراتية والاستخرابية الاستغرابية، يقدمون خدماتهم أو تعرض عليهم من طرف مؤسسات عالمية مشبوهة ومعروف عنها عداؤها للإسلام. على الأقل عند المسلمين!
وكنت أحب أن لا تطغى على فكري هذه المصيبة ولكنهم كما نقول عندنا (عيقوا).
حينما كتب الأستاذ الباحث السوسيولوجي أبو اللوز كتابه عن السلفية في المغرب أحببت أن أعرف من هو؟
لأعرف مرجعية الرجل وخلفياته! ففوجئت بما يلي:
منحه المعهد الأمريكي للدراسات المغاربية منحة سنة 2009 لإنجاز بحث استخباراتي في الجزائر تحت عنوان: (السلفية في الجزائر) وقدمت له في نفس السنة منحة بنحو 3000 دولار أمريكي من مؤتمر تنمية البحوث في إفريقيا ومنحة في حدود 3000 جنيه إسترليني من جامعة كمبريدج لتمويل رحلة بحثية إلى إنجلترا ربما لدراسة المد السلفي هناك في نفس السنة.
ثم عاد بعد ذلك إلى بيع المواد الغذائية في دكان الوالد في مراكش وتأسف له بعض زملائه لأجل ذلك، ولم يعلم أن المسألة لا تعدوا أن تكون كما نقول في تطوان (شَّابُّو) أي فرصة عمل كما يفعل مصلح الكهرباء وأنابيب المياه! أخذ الأجر ثم عاد إلى مكانه ينتظر فرصة أخرى بمقابل آخر!
والطريف في الأمر أن الجانب الاستخباراتي ظهر عليه جليا وعلى لسانه حينما كان يجري بحثه (الميداني) في مراكش بحيث التحى موهما أنه من رواد دور القرآن وكان يغير كل مرة المكان بطريقة توحي وكأنه العميل رقم 007! وأشك أن يكون تلقى تدريبا على ذلك وأستبعد المسألة فمثله لا يحتاج إلى تدريب!
يقول عالم الاجتماع الدكتور أحمد إبراهيم خضر في كتابه الرائع (اعترافات علماء الاجتماع/ص168):
(يشترك باحثونا في هذه الدراسات التي تجريها هذه الجامعات أو هذه الهيئات ويسيل لعابهم أمام العائد الدولاري الكبير.. لم يستوعب باحثونا أن هذه البحوث ما هي إلا شكل آخر من أشكال خدمة الأهداف الغربية.. المهم هنا أن باحثينا قد دافعوا عن اشتراكهم في هذه البحوث وكانت حجتهم أن الأمريكيين واليهود يحصلون على ما يريدونه من معلومات لأن أعمالهم منشورة، ولأن البحوث في بلادنا بحاجة إلى تمويل وميزانيات حكوماتنا لا تكفي وأنه لا بأس بتطوير علمنا بأموالهم).
ومثله الباحث الاجتماعي إدريس بنسعيد..فإنه قام بدراسة ميدانية دوركايمية في موضوع دراسة بعنوان: (الحجاب والشباب) وكان ذلك بدعم من صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة.. وقد أبدى أو حاول أن يبدي قسطا من الموضوعية والحيادية.
واللافت في الدراستين هزالتهما وضعفهما النظري والمنهجي.. ورحم الله امرأ عمل عملا فأتقنه..ومن غشنا فليس منا.. وأعتقد أن الأمريكان لم ينتبهوا إلى الغش العلمي الذي حققه الرجلان.. لا أقصد غش المسلمين فقط.. بل غش الممولين أيضا!
ومع ذلك تجد عبد الرحيم العطري.. وهو باحث اجتماعي أيضا يمدح بحث بنسعيد مدحا عطرا…! وكنت أتمنى أن لا يتسرع الأستاذ في مدحه هذا!
أما بعد؛ فقد قلت: الغش.. لأن الرجلين يعرفان أنهما لا يملكان الوسائل العلمية، ولا يقدران على إنجاز بحث حقيقي ربما لضعف تكوينهما، وربما لأن نفس علم الاجتماع كما درسوه ليس مؤهلا لذلك البتة
وقد صار هذا اليوم معلوما من علم الاجتماع بالضرورة، ومضى زمن (الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري) وولى.. فالأمور صارت واضحة تحت شمس الحقائق الاجتماعية!
ولأبرهن على ذلك لاحظ معي أخي القارئ:
تركز العمل الميداني لـ(أبو اللوز) على مراكش..حيث يقيم..وتركز عمل بنسعيد على الرباط وضواحيها..فوصل حيث يصل توقيت الرباط وسلا وما جاورهما..وكانت عيناته أو بؤره عبارة عن مجموعات صغيرة..خلص منها إلى نتائج كبيرة عممها على سائر المغرب..! في أسلوب ساخر ومهين لعقول الناس كما فعل صاحبه أبو اللوز…فصار الحكم عاما انطلاقا من دراسة عينة صغيرة وكأننا فئران مختبر!!!
بل تعجب جدا حينما تجد أمثال فاطمة المرنيسي تعترف في كتابها (الحريم السياسي) أن السمان الذي تشتري منه سمنها لبيتها ترموميتر عندها للرأي العام..فأي سفاهة هذه؟!
دع عنك تأثر الباحث الاجتماعي ودراسته ولا بد بما يعتقده ويؤمن به.. فلو كلفت باحثا اجتماعيا لا يملك سيارة للبحث في سبب الازدحام في الشارع لكانت نتائج دراسته أن أهم أسبابه هي السيارات، وعكسه الذي يملك سيارة ..سيقول: كثرة الراجلين أهم سبب في ذلك!
هكذا هم باحثونا الاجتماعيون!! وهكذا هي بحوثهم السطحية! التي يستطيع كل من له نصيب من الثقافة والمخالطة للناس أن يقوم بها لا تستحق أن تناقش مناقشة علمية نقدية لأنها دون المستوى! (فباراكا متكبروا فصهارج). وعلى طريقتهما في تعميم النتائج الجزئية سأقول: قس أمثالهما عليهما! والله الموفق.