في خضم الصراع الدائر بين الإسلاميين بأطيافهم المختلفة، وبين العلمانيين بدرجات تطرفهم المتفاوتة في كراهية الإسلام وشرع الله، حول التعديلات الدستورية المصرية المقترحة من منادٍ بضرورة إلغاء المادة الثانية من الدستور بالكلية؛ لكي تصبح الدولة بلا دين، ولا دخل للشريعة الإسلامية في التشريع، ومنادٍ آخر أقل تطرفاً بحذف الألف واللام من النص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لتصبح: “مصدراً رئيسياً”، وليس “المصدر الرئيسي”.
وهو النص الذي فسرته المحكمة الدستورية المصرية بأنه: لا يجوز للمجلس التشريعي أن يخالف أياً من أحكام الشريعة الإسلامية؛ لأن المصدر الفرعي لا يجوز أن يخالف المصدر الرئيسي، والذي بناءً عليه ينتفي وصف محادة الشرع، ومنابذته عن هذه المجالس.
فيريد هؤلاء رغم أن هذه المادة لم تطرح ضمن المواد المراد تعديلها، فيريدون العودة بنا إلى ما كان عليه الأمر من استباحة مخالفة الشريعة، وعدم الإلزام أو الالتزام بها.. مما يعني أن إلغاءها يمثل ردة شرعية وتشريعية، وقد يرى بعض الإسلاميين عدم الاكتراث بصياغة هذه المادة من مواد الدستور ولا بوجودها أصلاً من عدمه؛ بناء على أن وجود هذه المادة لم يترتب عليه إلغاء القوانين السابقة المخالفة للشريعة، ولكن بلا شك أن وجود هذه المادة المانعة من حدوث مخالفة مستقبلية له أهميته القصوى على أمل أن تتم مراجعة القوانين السابقة لاحقاً -إن شاء الله-.
في خضم هذا الصراع تصدر عبارات خطيرة عن بعض أحكام الشرع التي تأباها قلوب الكفار والمنافقين، مع أنها في القرآن العظيم نصاً صريحاً، وهي في السنة المطهرة كذلك، وانعقد عليها الإجماع، مثل وصف بعض أحكام القرآن بأنها في ذمة التاريخ -أي أنها قد ماتت، وانقضى عهدها، أو أنها مجرد نصوص تاريخية- مما يعني أنه لا مجال لتطبيقها أبداً، ونحو ذلك من عبارات تزدري هذه الأحكام وتتبرأ منها، مما لا يسع مسلماً إلا ردّه ورفضه، وإلا كان موافِقاً على ازدراء القرآن والدين منابذاً للإيمان، وقد قال الله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة:65-66).
ولا تنفع دعاوى المجاملة في مثل هذه المواقف، ولا المتابعة للأكثرية، فإن الله لم يبح لأحد أن يتبع أكثر أهل الأرض مع ضلالهم، ولم يعذره على ذلك، بل ذم من اتبع الكثرة الضالة من البشر، فقال سبحانه: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام:116)، ولا ينفع إنساناً انتسابه للإسلام، أو ادعاؤه بأنه ضمن العاملين في الصف الإسلامي، وهو يصفق موافقاً على العبارات التي تزدري أحكام الشريعة الثابتة في القرآن والسنة والإجماع، حتى لو لم نستطع تطبيقها، ففرق بين أن نعجز عن تطبيق شيء من أحكام الدين، ونحن ندين لله عز وجل به، وبين أن نأباه ونرفضه، فضلاً عن أن نسخر منه ونزدريه، ونعتبره تخلفاً -والعياذ بالله-.
ونحن إذ نقول للعالم كله، وللمسلمين خصوصاً، وللعاملين في الصف الإسلامي أخص: إن شرع الله تعالى ودينه وكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليست محل استفتاء من البشر، ولا موضع مساومة سياسية أو اقتصادية أو غيرها، وإن التزامنا بشرع الله هو مقتضى إسلامنا وإيماننا، نذكرهم بقول الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)، وبقول الله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ، وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة:49-56).
فهذه هي الحزبية الواجبة، وأما ما سواها من الحزبية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية) رواه مسلم.
نسأل الله أن يعيذنا والمسلمين من الجاهلية.