بالنسبة للقيم الكونية تحديدها محسوم عالميا، بمعنى أن كل الاتفاقيات الدولية الكبرى الأساسية لحقوق الإنسان هي مضمون القيم الكونية.
توجد في بعض القواعد العالمية لحقوق الإنسان بعض العمومية ونجد الدول قد تختلف في التفسيرات، ولكن من الذي يعطي التفسير الدقيق الذي يلزم الجميع؟
إنها المحاكم الدولية، مثلا المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومحكمة الدول الأمريكية، والآن صارت حتى المحكمة التي هي في إطار الاتفاقية الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب من جهة، ومن جهة أخرى الذي يفسر القواعد الدولية هي آليات الإشراف على المعاهدات الدولية، كلجنة مناهضة التعذيب واللجنة المعنية بحقوق الإنسان وغيرها حتى لا يبقى تضارب بين الدول في تفسيره.
مثلا هناك إجماع على ما هو التعذيب، يعني عالميا لا يمكن لأي دولة أن تعطي تعريفها الخاص. إذا كان تعريفها ناقصا فإن لجنة مناهضة التعذيب تطلب منها أن تلائم قانونها الجنائي مع جريمة التعذيب، وهذا ما حصل مع المغرب، حيث قرر في مشروع القانون الجنائي أنه سيلائم تعريف هذه الجريمة طبقا لما نصت عليه توصيات لجنة مناهضة التعذيب.
إذا بالنسبة لتحديد المفاهيم الكونية فهو عليه إجماع واسع جدا.
بعض الدول تريد أن تتحلل من هذه المفاهيم باسم الخصوصية، ولكن الخصوصية إذا كانت تذهب ضد التفاسير والمفاهيم الكونية فهي غير مقبولة لأن المفاهيم الكونية هي عبارة عن مجموع الخصوصيات، بمعنى أن المجتمع الدولي بجميع حضاراته وثقافاته اتفقت كلها، أي تعارفت وتوافقت حتى وصلوا إلى تلك الاتفاقيات والإعلانات الدولية، فالقول أن هذه الاتفاقيات أو المفاهيم هي غربية أو استعمارية، كلام خاطئ، فمنذ تصفية الاستعمار في الستينات، صارت جميع الدول تأتي بخوصياتها وثقافتها تدخل في نقاشات ومفاوضات حتى تصل إلى تبني الاتفاقيات الدولية، فتوقع عليها ثم تصادق عليها ثم يتم تشريعها.
إذا من ناحية الكونية تبقى بعض الجوانب التي فيها خلافات مثلا في العالم الإسلامي قضية حقوق المرأة قضية المساواة في الإرث وقضية عقوبة الإعدام إلخ… هذه الدول تحتج بأن التعاليم الدينية واضحة في قضية الإعدام والإرث إلخ… ولكنها لا توفر الشروط لتطبيق حتى التعاليم الإسلامية نفسها، وبالتالي فمن الأفضل إخضاعها للقيم الكونية…
فمثلا الإعدام موجود في مصر والسعودية ولكن هل تتوفر الشروط للمحاكمة العادلة؟ هل توجد فيها تشريعات اتخذتها برلمانات تمثل الشعب؟ وعندما تقع تلك الجرائم المعاقبة بالإعدام هل يتم البحث بنزاهة وتوفير المحاكمة العادلة؟ بمعنى أنه من الأحسن أن نتبنى القيم الكونية خصوصا وأن تلك الدول أبعد ما تكون عن تطبيق القيم الإسلامية، التي تستعملها فقط لتفلت من الالتزام بالقيم الكونية وعلى رأسها الديموقراطية، أغلب الدول التي ليست ديموقراطية هي التي تستعمل مبرر الخصوصية.
ختاما الذي يقرر ما يصلح مما لا يصلح للشعب المغربي، هو الأغلبية الديموقراطية، يعني أغلبية الشعب، ولكن رغم ذلك وحتى لو كانت عندنا أغلبية، فإنها لا يمكنها أن تشرع شيئا مخالفا للقيم الكونية، فرغم أن الدستور هو أسمى قانون ولكن يوجد ما هو أسمى من الدستور وهو القيم الكونية لحقوق الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــ
* د. عبد العزيز النويضي حقوقي ومحام بهيئة الرباط