الرقية الشرعية الثابتة هي قراءة القرآن المجملة بعموم نصوصه، أو المفصلة بالآيات والسور الوارد فضلها في السنة المشرفة وآثار السلف الصالح، أو الأدعية والتعاويذ المأثورة.
لقد لجأ كثير من المعالجين بالرقية الشرعية إلى إضافة أمور كثيرة متعددة، ومن هذه الأمور ما له أصل في الشريعة أو مستند لبعض علماء الأمة الأجلاء، إلا أنه استخدم بطريقة خاطئة وغير صحيحة، ومن تلك الأمور تخصيص قراءة آيات معينة وبكيفيات مختلفة، أو الضرب الشديد والخنق، وحوار الجن والشياطين ونحو ذلك من أمور أخرى، ومنها ما ليس له أصل في الشريعة ولا يوجد له مستند قولي أو فعلي لعلماء الأمة، هذا كله دفع بعضهم إلى إنكار هذه التزايدات -وهذا حق- وأداه في مقابل ذلك إلى إنكار أصل المسألة بغير حق.
قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: “الرقية التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ما يكون بقوارع القرآن، وبما فيه ذكر لله تعالى على ألسن الأبرار من الخلق الطاهرة النفوس، وهو الطب الروحاني، وعليه كان معظم الأمر في الزمان المتقدم الصالح أهله، فلما عزّ وجود هذا الصنف من أبرار الخليقة مال الناس إلى الطب الجسماني، حيث لم يجدوا للطب الروحاني نجوعاً في الأسقام، لعدم المعاني التي كان يجمعها الرقاة، وما نهي عنه هو رقية العزَّامين ومن يدعي تسخير الجن” (عمدة القاري – 17 / 403).
ثم ليعلم أنه لا يوجد -بأي حال من الأحوال- أي تعارض بين الرقية الشرعية والطب العضوي والنفسي، ونحن مطالبون بالنسبة للعلاج والاستشفاء باتخاذ الأسباب الشرعية من ذكر ودعاء ورقية وقراءة قرآن ونحو ذلك، كما أننا مطالبون باتخاذ الأسباب الحسية من خلال مراجعة المستشفيات والمصحات والعيادات واستخدام الدواء اللازم مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشفاء من الله سبحانه وتعالى وحده.
كيف نحصن أنفسنا من المس الشيطاني؟
أولا: المحافظة على الصلاة والالتزام بأمور الشرع.
ثانيا: المحافظة على الأذكار القرآنية والنبوية، ففيهما الوقاية والتحصين ضد الشيطان، فالشيطان وجنوده أقرب ممن هو بعيد عن ذكر الله تبارك وتعالى، قال تعالى: “وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ”.
وفي الصحيحين عن أي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم: “يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك بنوم طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان”.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له كفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان”، (صحيح أبي داوود 4249، صحيح الترمذي 2724).
قال المباركفوري وشمس الحق العظيم أبادي: ( قوله “يعني إذا خرج من بيته” هذا قول الراوي وفي رواية أبي داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج الرجل من بيته فقال: “بسم الله” الخ يقال له: أي يناديه ملك يا عبد الله “كفيت” بصيغة المجهول، أي مهماتك، وفي رواية أبي داوود : هديت -طريق الحق- وكفيت -أي همك– “ووقيت” من الوقاية أي حفظت من شر أعدائك”، و”تنحى عنه الشيطان” أي تبعد، زاد أبو داوود في روايته فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي، أي بإضلال رجل “قد هدي وكفي ووقي” أي ببركة هذه الكلمات فإنك لا تقدر عليه” (تحفة الأحوذي 9/271) ، (عون المعبود، 13/297) .
ثالثا: الاستعاذة قبل دخول الخلاء (الحمام والمرحاض).
وذلك لأن أماكن النجاسات كالحمامات والمقابر تأوي إليها الشياطين وكان من هديه صلي الله عليه وسلم أنه كان قبل أن يدخل الخلاء يقول: “اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث”، ووفي رواية: “بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث” والخبث: ذكور الجن والخبائث: إناثهم.
وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن هذه الحشوش محتضَرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل :أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
رابعا: عدم الكلام أو الصراخ أو الغناء في الحمامات والمراحيض، ففي المسند عن أبي سعيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا تغوَّط الرجلان، فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه، ولا يتحدثان على طوفهما، فإن الله يمقت على ذلك” (صحيح الترغيب والترهيب 155، والصحيحة 3120). (قال صاحب النهاية: “الطوف الحدث من الطعام، ومنه الحديث: نهى عن متحدثين على طوفهما أي عند الغائط).
فهذه الأماكن تسكنها الجن والشياطين، والصراخ والغناء في مثل هذه الأماكن يؤذي ساكنيها فتنتقم ممن يفعل ذلك، قال الإمام النووي رحمه الله: “الذكر والكلام مكروه حال قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو البينان، وسواء في ذلك جميع الأذكار والكلام إلا كلام الضرورة..”.
خامسا: البسملة
وهي أن تقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) بالذات عند دخول الأماكن المهجورة والمظلمة والصحاري، وعند القفز من الأماكن المرتفعة وقبل إلقاء الماء الساخن في دورات المياه لأن هذا الماء قد يؤدي الجن فتنتقم من الإنس، وكذا عند إلقاء حجر أو شيء ثقيل على الأرض، وهذا أمر أدركه الرقاة من المس والصرع بالتجربة.
سادسا: التعوذ عند الجماع بما كان يتعوذ به النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو أن أحدكم يقول حين يأتي أهله باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فأنه إن قضي بينهما ولد من ذلك لم يضره الشيطان أبدأ”.
قال ابن حجر: “أي لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه، كما جاء عن مجاهد إن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه وهذا أقرب الأجوبة” ا.هـ