حل المشكلات البيئية يرتبط قبل كل شيء بتعزيز دور العامل البشري

حينما خلق الله الكون على أحسن صورة، وأوجد فيه أسباب الحياة الكاملة، إنما ليكون مهيئًا لأن يعيش فيه الإنسان ويعمره، وإن واجب الاستخلاف والإعمار في الأرض، يقتضي المحافظة على وسائل الحياة فيها، وعدم السعي فيها بالإفساد؛ قال تعالى: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} .
حينما يطرح القرآن إفساد المفسدين؛ إنما يطرحه كممارسة عملية خاطئة، ما هي إلا نتاجا لانحراف فكري عقدي، وهذا ما اعترف به لوي التوسر حينما قال: “إن أي انحراف سياسي مرتبط بانحراف نظري، وأي انحراف نظري يِؤدي الى ممارسة سياسية خاطئة” .
لذلك يقرن القرآن بين الانحراف النظري والعملي للإنسان وبين العقوبات الكونية؛ في مثل قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .
“أَيْ لَا يَزَالُ الْكَافِرُونَ تُصِيبُهُمْ دَاهِيَةٌ مُهْلِكَةٌ مِنْ صَاعِقَةٍ كَمَا أَصَابَ أَرْبَدَ أَوْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ مِنْ أَسْرٍ أَوْ جَدْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَذَابِ وَالْبَلَاءِ” .
و”كلمة “قارعة” نكرة تفيد العموم، فتعم كل قارعة، فقد تكون مسموعة كالصواعق والعواصف، وقد تقرع القلوب بالرعب والذعر والهلع كالانهيارات والأزمات المالية” .
“وهذا يعني أن حل المشكلات البيئية، سواء تلك التي تتعلق بالتقدم الاجتماعي، والتطور الاقتصادي المتسارع، أو تلك الناتجة عن التخلف وسوء إدارة المشروعات الاقتصادية، أو بسبب الحروب المحلية والإقليمية والدولية، يرتبط قبل كل شيء بتعزيز دور العامل البشري” .
“فإذا أصلحنا الإنسان، فقد صلحت الحياة كلها من حوله، وإنما يصلح الإنسان من داخله لا من خارجه، ومن باطنه لا من ظاهره؛ ومن نفسه التي بين جنبيه لا من غلافه البدني، وهذه سنة ثابتة قررها الكرآن الكريم حين قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ” .
فكيف يتأتى هذا التغيير عمليا؟
من المقترحات؛ تلك التي أكدت أن هذا التغيير “يتطلب تغييرا جذريا في التمثلات والممارسات وسلوكيات المواطنين تجاه مكونات محيطهم الطبيعي، وإنجاز تغيير كهذا يستلزم من جهة: العمل في الديمومة وفي واجهات ومستويات متعددة (الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام)، لترسيخ الوعي برهان البيئة، وتنمية روح المسؤولية الفردية والجماعية على هذا المستوى” .
فهل يمكن أن يتأتى هذا التغيير فقط بواسطة “سن إطار قانوني متكامل وقابل للتنفيذ” ؟
وهل القوانين والتوصيات يمكن أن تخضع للتطبيق في غياب ترسانة من المبادئ؛ كالشعور بروح المسؤولية وإحياء الضمائر وتخليق الممارسات، إلى غير ذلك من المفاهيم التي تصب في مسألة واحدة؛ ألا وهي دور العوامل غير المرئية في كل عملية تنموية، يمثل العامل التربوي عمادها المحوري؛ ذلك لأن الظاهرة الثقافية لا يمكن التحكم فيها بقرار إداري.
لذلك يجب “إدماج العامل التربوي في كل أبعاده التكوينية، التحسيسية والتأطيرية والتواصلية، في استراتيجية حماية الموارد الطبيعية ومحاربة التلوث، بهدف إنعاش التربية البيئية وتدعيم روح المسؤولية والمواطنة على مستوى علاقة المواطنين بالموارد المائية أو التربة أو التراث الغابوي” .
من التوجيهات التربوية التي يمكن أن تعتبر أسبابا ناجعة لحل الإشكاليات البيئية، استعظام أبسط أشكال الفساد، كما يتصوره الإسلام؛ من أمثلة ذلك النهي عن التبول أو التغوط في الماء الراكد أو في طريق الناس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» .
“الْمُرَادُ بِاللَّاعِنَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ لِلَّعْنِ الْحَامِلَيْنِ النَّاسَ عَلَيْهِ وَالدَّاعِيَيْنِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا شُتِمَ وَلُعِنَ يَعْنِي عَادَةُ النَّاسِ لَعْنُهُ فَلَمَّا صَارَا سَبَبًا لِذَلِكَ أُضِيفَ اللَّعْنُ” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *