وجه خطاب العرش لسنة 2014 (الذكرى 15 لعيد العرش) نقدا واضحا لأداء المؤسسات الدستورية، وقد كان التشخيص في خطاب ملك البلاد صريحا بسؤاله عن مآل الثروة التي تشهد بها المعطيات والتقارير والدراسات.
وتساءل الملك في خطابه: “ماذا فعلنا بما حققناه من تقدم، هل ساهم فقط في زيادة مستوى الاستهلاك، أم أننا وظفنا ذلك في تحقيق الرخاء المشترك لكل المغاربة، وإلى أي درجة انعكس هذا التقدم على تحسين مستوى عيش المواطنين؟”.
وكان الملك صريحا وواضحا عندما قال: “إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين”، كما سجل أنه “لاحظ خلال جولاته التفقدية بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة”.
المغاربة ينتجون ثروتهم، ويعملون يوميا لإنتاجها، ولكن: أين تذهب هذه الثروة؟ حُق للجميع التساؤل عن مآلها، ملكا وشعبا، لأنها ثروة الجميع. وتحت هذا السؤال العريض والكبير أسئلة أخرى لا بد من طرحها: هل تؤدي الشركات ضرائبها دون تهرب ضريبي؟ أليس هناك احتكارا في بعض المواد والسلع يمارسه بعض مالكي رؤوس الأموال؟ هل تمر الصفقات العمومية في ظروف سليمة وشفافة ومتكافئة؟ هل هناك من يستغل نفوذه للحصول على بعض الامتيازات الاقتصادية؟
وغيرها من الأسئلة التي تجيب عنها مؤسسات دستورية يجب مساءلتها فيما يتعلق بالأدوار المنوطة بها. وهنا نذكر أهم هذه المؤسسات:
-البرلمان بلجانه الاستطلاعية والموضواعاتية ولجانه لتقصي الحقائق وأدواره في تقييم السياسات العمومية واستدعاء مسؤولي ومدراء المؤسسات العمومية والدستورية.
-القضاء ودوره في فصل المنازعات بما فيها تلك التي يكون المتهمون فيها من كبار القوم، وكذا في إثبات الفساد بالوسائل التي تخولها الممارسة القضائية من فتح التحقيق إلى إصدار الحكم النهائي في القضايا، بالإضافة إلى ما يقتضيه الأمر من تسريعٍ لمسطرة البت في القضايا التي لها علاقة بملفات الفساد.
-المجلس الأعلى للحسابات وفق الاختصاصات المخولة له، والتي يتم الكشف من خلالها عن الخروقات والاختلالات المالية التي تعتري الإدارات والمؤسسات العمومية. يجب أن تكون الرقابة الإدارية والمالية دائمة وفاحصة، لمحاصرة الفساد في مهده قبل أن يتغول وينتشر، وقبل أن يصبح من صميم الممارسة الإدارية عند البعض.
بالإضافة إلى هذه المؤسسات المعنية بالموضوع بشكل مباشر، يجب الحديث عن أدوار مؤسسات أخرى ربما تظهر بعيدة عن هذا الموضوع، ولكنها مسؤولة عن تأطير المواطنين وتهذيب سلوكهم. وهنا نتكلم عن أدوار قطاعات الثقافة والإعلام والشأن الديني والتعليم بمختلف مستوياته. المسؤولية ثقافة يجب أن تنخرط في تعزيزها:
-الكتب والبرامج الثقافية والمجلات ومراكز البحث ومبادرات المثقفين ونخب الفكر؛ وهذه مسؤولية وزارة الثقافة ومؤسساتها.
-القنوات والإذاعات الوطنية والجهوية والجرائد والصحف والمواقع الإلكترونية؛ وهذه مسؤولية وزارة الإعلام والاتصال والمؤسسات التابعة لها.
-المساجد والمنابر ومجالس الوعظ والإرشاد ودروس الفقهاء وتوصيات وفتاوى المجالس العلمية؛ وهذه مهمة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى وهياكلهما.
-المقررات والبرامج الدراسية وأنشطة الحياة المدرسية ونوعية النخبة التعليمية؛ وهذه مهمة التربية الوطنية والتعليم العالي.
يجب أن نطرح السؤال نفسه على أدوار الأحزاب السياسية والحركات الدعوية والثقافية والنفايات وجمعيات المجتمع المدني ومراكز البحث والرصد؛ على كل هيئات المجتمع المدني والسياسي، هل تقوم بأدوارها في التنبيه والتوجيه والتأطير وإثارة قضايا الفساد أمام المسؤولين والرأي العام المغربي؟ وهل تقوم بدورها في طرح بدائل وآليات لمحاصرة الفساد وحسن عروقه؟ وهل تبذل بعض الجهد في إعداد تصورات تشخيصية وبرنامجية لرصد الفساد وتفكيك بنيته إن وُجِدت؟
مواجهة الفساد مسؤولية الجميع، سؤال “أين الثروة؟” سؤال الجميع ملكا وشعبا. الفساد يبدأ من الفكر والنفس، التطبيع معه في النفس منزلة سابقة.. التماطل، الغش، ضعف أو انعدام المسؤولية، عدم الاهتمام لأحوال الناس، انعدام التحلي بسلوك تضامني، استهلاك المواد الفاسدة المفسدة (من مخدرات وكحول) الخ؛ كم تمارس هذه المفاسد يوميا من قبل الأفراد؟! إنها مفاسد كبيرة في النفوس والأفعال، التطبيع معها يمنح المفاسد الكبرى مجالا للانتشار والتوسع.