الأقلية المسلمة في العالم.. اضطهاد ومعاناة مستمرة

في ظل الحديث عن الأقليات في العالم يتم التركيز في الغالب على اليهود والنصارى والشيعة، وعادة ما يتم إغفال المسلمين وما يتعرضون له في بورما والصين وإفريقيا الوسطى مثلا، ومعاناتهم اليومية من الاضطهاد والتهجير الممنهج وسلب الممتلكات والقتل، وفي هذه الورقة سنسلط الضوء على جانب من هذه المعاناة، حيث سننقل لقراء السبيل معلومات دقيقة ووقائع من أرض الميدان وثقها مرصد الأقليات المسلمة، وهو مرصد متخصص في هذا المجال.

مسلمون الصين بين الاضطهاد والقمع والتهجير
تُعد الصين من أكثر دول العالم سُكاناً ليس فقط على مستوى القاره الأسيوية ولكن على مستوى العالم أجمع، وتتعدد القوميات والأديان واللغات بتعدد السكان، وبها 54 لغة و56 قومية أكبرها قومية “هان” وهي تضم أغلبية الصينيين.
أما الأديان الرئيسية المعترف بها فهي خمسة: (البوذية، الإسلام، المسيحية الكاثوليكية، الطاوية) وحسب بعض الإحصاءات فإن أغلبية الصينيين لا يؤمنون بهذه الأديان جميعاً، أي أنهم لا يؤمنون بأي دين، سماوي كان أم وضعي، وهو ما يجعل المُسلمين أقلية في بلد بحجم الصين.
تُعتبر أقلية (الويغور) هي أكثر الأقليات المسلمة إقلاقا للسلطات الحكومية الصينية إذ أنها مُتمسكة بالشعائر والمظاهر الإسلامية التي تحاول الحكومة الصينية طمسها، كما أنها تعتبر وجود الصين استعماراً لمنطقة لم تكن تابعة للصين قبل عام 1949، في حين ترى الحكومة الصينية أن المعالم الإسلامية وتلك الأفكار الانفصالية تُعتبر تهديداً لأمن الصين القومي، وأن محاولات الانفصال وأعمال العنف بين الويغور والهان هي أعمال إرهابية تحاول فيها الأقلية المُسلمة خداع المواطنين الويغوريين باسم “الجهاد الإسلامي”.
هذا ويعارض النظام الشيوعي الصيني بشدة قومية الأقليات العرقية، وبالتالي ضيَّق الخناق على الدين، وتميزت الثورة الثقافية عام 1967 بتبني حملة للهيمنة الثقافية على معتقدات الأقليات الدينية وممارساتهم الثقافية والعمل على إلغاء تداول لغة الويغور “التركية” في المؤسَّسات التعليمية وحرق كتُبِهِم وطمس ثقافتهم، كما فرضتْ قيودًا مشدَّدة على بناء المساجد، الأمر الذي وصل لمنع المُسلمين في الصين من صيام شهر رمضان في عام 2013.
اتبعت الحكومة الصينية سياسة التهجير لتغيير التركيبة السكانية للإقليم بحيث قامت بترغيب الهان بالإقامة في إقليم الويغور، مما أدى إلى زيادة تدريجية في نسبة السكان الهان الصينيين في المنطقة، وفي المقابل هاجر الكثير من المسلمين من سكان الإقليم نتيجة لاضطراب المنطقة سواء للدول المجاورة للإقليم أو لمناطق أخرى بالصين، وهى سياسة انتهجتها الحكومة الصينية حيث أنه في عام 2010 سعت السلطات الصينية إلى هدْم مدينة “كاشجر” القديمة، ذات الأغلبية الويغورية، في جنوب غرب منطقة شينجيانغ، وتهجير 200.000 من سكانها، بحجَّة خضوع المدينة لإعادة تطوير ضخمة ، حتى أصبحوا يمثلون الآن قرابة 40% من سكان شينجيانج، في مقابل 45% من الويغور.

مسلمو بورما: مصادرة للممتلكات ومنع من الحقوق الدينية والسياسية
كحال أغلب الأقليات المُسلمة في القارة الأسيوية، لم يسلم المُسلمون في بورما وبخاصة في منطقة أراكان من الاضطهاد الديني والعدوان الطائفي الذي يُعتبر أكثر حدة من غيره، وتقع بورما في جنوب شرق أسيا وبها أراكان بالجنوب الغربي لبورما، وتقارب نسبة المسلمين في بورما 5% في 2013 بدلا من 15% لعام 2009 رغم كُل ما تعرضوا له طوال القرن العشرين من مذابح وتهجير.
لا تعترف ميانمار بوجود المُسلمين، بل وتعتبرهم غُرباء، على أرض يعيشون عليها منذ قرون. وتبريرهم لذلك أن شعب ميانمار هم من البوذيين الماج فقط، أما مسلمو الروهينجا فهم مهاجرون من بنجلاديش. لذا قننت ميانمار التمييز والاضطهاد ضد المسلمين الروهينجا بإصدار قانون الجنسية في 1982 الذي وصفهم بأنهم مهاجرون من بنجلاديش مما جعلهم بلا وطن، كما منعتهم من ممارسة كافة حقوقهم السياسية وصادرت ممتلكاتهم ومحالهم. فهم بحسب نص القانون «مواطنون من الدرجة الثالثة»، وهم المسلمون حيث صنفوا على أنهم أجانب دخلوا البلاد لاجئين أثناء الاحتلال البريطاني
كما قامت الحكومة البورمية بمنع المُسلمين من الزواج لمدة ثلاث سنوات مع رفع سن الزواج، فالمسلمة ممنوع أن تتزوج قبل سن الـ 25 عاما أما الرجل فلا يسمح له بالزواج قبل سن الـ 30 من عمره.
ثم وضعت الحكومة حدا للسيطرة على النمو السكانية للأقلية المُسلمة، حيث فرضت قانون الطفلين الذي لا يسمح بأكثر من طفلين لأي أسرة مسلمة، هذا إضافة إلى تأمين موافقة رسمية (عن طريق دفع رشاوى) للزوجين المسلمين قبل الزواج، إذ عليهما تقديم بيان موقع منهما يتعهدان به عدم إنجاب أكثر من طفلين؛ وأي انتهاك لهذا القانون سيؤدي إلى فرض غرامات وسجن.
أما الطفل فيُحرم من كافه الحقوق حتى التعليم، ووفقا لأحد التقارير الحكومية هناك الآن ما يقرب من 60.000 طفل روهينجي غير مسجلين في ميانمار.
تبنت الحكومة الشيوعية منهج التهجير المُستمر للمسلمين حتى قامت حكومة الانقلاب العسكري بالعديد من عمليات التهجير للمسلمين إلى بنجلاديش والسعودية وغيرهم ثُم تم طرد أكثر من 150.000 مسلم، بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي.
ولم يكن الجانب الديني والعقائدي بمنأى عن تلك الممارسات القمعية، حيث تشير تقارير عديدة للمنظمات الدولية الحقوقية إلى قيام السلطات بهدم بعض المساجد والمدارس الدينية في المناطق التي يقطنها “الروهينجيا”، ومنع استخدام مكبرات الصوت عند الأذان، والسماح لعدد قليل من مسلمي “الروهينجيا” بأداء فريضة الحج.

إفريقيا الوسطى: بربرية وحرب على الإسلام
يقدر عدد سكان إفريقيا الوسطى حوالي خمسة مليون نسمة اعتبارا من عام 2008م، ويشكل المسلمون نحو 15٪ من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى، مما يجعلها ثاني أكبر ديانة في البلاد بعد المسيحية التي يدين بها نصف السكان (25% بروتستانت و25% كاثوليك)، أما بقية السكان فإنهم يدينون بديانات محلية.
يقول ديفيد سميث، من مركز أوكابي للاستشارات الإعلامية في جوهانسبرغ: منذ فترات طويلة كان المسيحيون والمسلمون يتعايشون في وئام، لم تشهد جمهورية أفريقيا الوسطى من قبل مواجهات تقوم على أساس ديني”.
فمنذ تنحي الرئيس المسلم دجوتوديا مطلع يناير 2014م غرقت البلاد في دوامة من العنف الطائفي والأعمال الانتقامية التي تشنها الميليشيات المسيحية ضد مسلحي سيليكا والمدنيين المسلمين. وزاد استهداف الأقليات المسلمة منذ تولت سامبا-بانزا رئاسة البلاد وهي نصرنية الديانة.
وتتحدث التقارير الواردة من هناك عن طرق بشعة للقتل باستخدام السواطير والفؤوس، وبدون تمييز بين رجل أو امرأة أو طفل.
وأدى انسحاب مسلحي سيليكا من مدينة بودا (شمال غرب) في 29 يناير 2014م إلى موجة عنف غير مسبوقة أسفرت عن مقتل 84 شخصا بينهم مسلمون ومسيحيون، بحسب الصليب الأحمر المحلي.
وأدت أعمال العنف الطائفية إلى نزوح ربع سكان البلاد -البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة تقريبا- عن مناطقهم خوفا من الهجمات الانتقامية التي أودت بحياة ما لا يقل عن 2.000 شخص. وفر عشرات الآلاف من المسلمين النازحين إلى دولتي الكاميرون وتشاد المجاورتين.
ومع اتساع نطاق نزوح المسلمين، أعلن مدير الطوارئ في منظمة هيومان رايتس ووتش “بيتر بوكارت” أنها مسألة أيام وسيغادر جميع المسلمين أفريقيا الوسطى فراراً من العنف، مضيفا توجد أحياء كاملة ذهب سكانها من المسلمين بالكامل، ويتم هدم منازلهم بصورة ممنهجة، حيث يتم نزع الأبواب والنوافذ والأسقف، وتوجد أدلة على محو وجودهم بالكامل.
وقال بوكارت إنه شاهد بنفسه جثة رجل مسلم تحرق في الشارع، كما رأى الميليشيات المسيحية تلقي القبض على مسلم آخر وتضربه حتى الموت.
وقبل ذلك، اغتيل النائب البرلماني جان إيمانويل نجاروا بعد إعلانه معارضته القوية للهجمات التي تستهدف قتل المسلمين في البلاد.
وقد أفاد شهود عيان بأن ميليشيات نصرانية اعتدت على مسجد الرحمة في عاصمة أفريقيا الوسطى بانغي، بحجة أن فيه أسلحة، ما أسفر عن تدميره بشكل جزئي.
فاعتدت العناصر النصرانية المسلحة بالمناجل والهراوات على أجزاء من المسجد، وأضرمت النيران في عدد من السيارات التي كانت متوقفة خارجه، كما قامت بسرقة جميع محتويات المسجد وما استطاعت الوصول إليه من ممتلكات.
وفي ظل ما يتعرض له المسلمون في إفريقيا الوسطى من عمليات إبادة جماعية فإننا لم نسمع عن موقف إدانة واحد من دول العالم الإسلامي أو مؤسساته العلمية أو الدعوية، سوى بيانات الاستنكار والإدانة التي منها بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووزارة الخارجية التركية وبعض الشخصيات الدينية. (إفريقيا الوسطى.. حرب على الإسلام، أحمد عبد الحافظ).
لتضاف مأساة مسلمي إفريقيا الوسطى إلى مآسي المسلمين التي لا تنتهي..

سنة إيران: إعدامات بالجملة وإكراه على المعتقد
في القرن الخامس عشر الميلادي تحرك 40.000 مقاتل في بلاد فارس يجوبون القرى والمدن القريبة، يصنعون ناراً هائلة في كل قرية يصلون إليها، ويتم تخيير سكان بين الإيمان بـ “12 إماماً” والدخول في المذهب (الاثنا عشرية) الذي لم يكن معروفاً وقتها في معظم بلاد فارس، أو يتم إلقاؤهم في تلك النار بمن فيهم من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، فيدخل في المذهب الجديد قرابة 600 شخص من أصل 1000، بينما يفر الباقون من تلك القرية.
من كتاب “إيران وعلاقاتها الخارجية في الدولة الصفوية” (1501 – 1722م) الذي ألفه “نصر الله فلسفي” أحد أهم الكُتاب الذين كتبوا عن العصر الصفوي، ونقله إلى العربية الدكتور محمد الريس 1989م.
وقد نص الدستور الإيراني في المادة (12) على أن: “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري (الاثنا عشرية)، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير”.
ويعتبر هذا العنصر في نظام الحاكم الإيراني أحد أبرز العناصر في سياسته الداخلية إلى جانب الشعور القومي (الآرية الفارسية) الذي يُقارب الشوفينية.
فما يحدث لدعاة أهل السنة داخل إيران يندرج ضمن السياسة القديمة-الجديدة لإيران، وتتعاظم الكروب بحق أهل السُنة في الأحواز لأنهم “عرب” و”سُنة”، ولذلك يجري تنفيذ أحكام إعدام بالجملة تجاه الناشطين من الدعاة، وتغلق المساجد وتدمر؛ ففي غشت 2010م تم إغلاق آخر مسجد في الأحواز للـ”السنة” وهو مسجد “الإمام الشافعي” الواقع في “قصبة النصار” بالقرب من مدينة “عبادان”.
وبحسب الإحصاءات الرسمية الإيرانية فإن “الطائفة السنية” من أكبر الأقليات في إيران؛ إذ إنها تُشكِّل نسبة 10% من مكونات الشعب الإيراني، لكنها أكثر تفاوتاً من غيرها.
هذا ويعاني أهل السُنة في إيران من اضطهاد ممنهج من قبل السلطات الإيرانية، فعلاوة على انعدام التنمية فيها، مقارنة بالمحافظات الأخرى التي ينتمي أبناؤها إلى “الزرادشتية”، فإنهم يتعرضون لحملات تنكيل مخيفة!
نقلت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر في نوفمبر 2015م: إن هناك 2900 حالة إعدام في إيران، أغلبها بدواعٍ سياسية.
وعموماً، يمكن ملاحظة أهم أشكال الاضطهاد الديني الشيعي للسنة منذ الثورة الخمينية تحديداً، في النقاط التالية:
• منع أئمة جوامع أهل السنة من حرية بيان عقائدهم على المنابر يوم الجمعة.
• تنفيذ الإعدامات بتهمة الوهابية، وهم كل من يدعو إلى مذهب أهل السنة.
• جرح عقائد أهل السنة والنيل من الصحابة عموماً في الدوائر الحكومية وأمام أهل السنة.
• عدم السماح لأهل السنة ببناء المساجد والمدارس في المناطق ذات الأكثرية السنية.
• تسخير جميع وسائل الإعلام لنشر العقيدة الشيعية في الأوساط السنية.
• تنشئة الأطفال وأبناء أهل السنة على أفكار وعقائد الشيعة وترغيبهم بها، عن طريق المدارس من الابتدائية إلى العالية.
ويمكن الإشارة إلى أشكال الاضطهاد الاجتماعية بحق أهل السنة:
• حرمان أهل السنة من شؤونهم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية.
• التضييق في المجالات الاقتصادية، عبر منع إنشاء المشاريع الاستثمارية، أو مصادرة الأملاك بحجج أمنية، أو إتلاف المنتجات ومنع نقلها من منطقة إلى أخرى.
• غياب التنمية بشكل كامل عن المناطق ذات الأكثرية السنية.
• منع التعلم والتعليم باللغات القومية للسنة.
• فرض مناهج تعليمية شيعية وأساتذة شيعة، والفقه الشيعي على السنة.
• نشر المخدرات في المناطق السنية والعرقية خارج المركز الفارسي، كأداة لتفكيك لحمة المجتمعات المحلية.
• فرض حظر على تسميات مواليد السنة، بأسماء ترمز إلى بعد عربي خالص، أو بعد سني بالتحديد.
• التمييز في المعاملة في المستشفيات والمدارس ضد السنة.
• منع نشر المطبوعات المدرسية والفكرية الخاصة بالسنة.
(انظر: منّهجية اضطهاد أهل السنة في إيران -الأحواز أنموذجاً-، مجلة البيان).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *