تظهر عدة مؤشرات تنامي مظاهر التدين في المجتمع المغربي ومن ضمنها، حالة الإقبال المتزايد في بناء المساجد وارتيادها، والإقبال على الحج والعمرة وصلاة التراويح في رمضان والعناية بالقرآن الكريم وتزايد الإقبال على الإعلام والتعليم الديني.
ونحن على أبواب شهر رمضان الفضيل ويُعتبر شهرُ رمضان، من أهمّ المؤشرات الرصدية لحركية التديّن لدى المغاربة، من خلال ما يخلقه من حالة عامّة للتدين في المجتمع المغربي، وهو ما يتجسّدُ في الإقبال المتزايد على المساجد وارتفاع نسبة التأطير الديني، وظهور الحاجة المُلحّة له.
ولا يمكن للمواطن المغربي العادي إلا أن يحس بتدين الشعب المغربي من المعاملات إلى العبادات، إذ نجد مرجعية المغاربة في الحركة والسكون “الإسلام”، باعتبارها المرجعية الموروثة أبا عن جد، لمدة قرون.
إذا كان كل شعب يعيش نمط حياة خاصة به، تنظمه قيم وتقاليد، فإن أصل هذه القيم هي مرجعيات محددة وموروث له شرعية تاريخية وعلمية محضة. فإن الشعب المغربي غالبا ما نجد قيمه في تراثه ودينه الإسلامي، إذ لا تتصور قيم المحبة والإخاء وحب الوطن والرحمة والتواضع والصدق والقناعة إلا قيما مستقاة من الإسلام.
كذلك نجد في الأسرة سلطة الضمير والتنشئة الاجتماعية مبنية على أسس إسلامية واضحة يستقيها الأب والأم من دينهما الحنيف.
وفي هذا الصدد اعتبر المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة أن مستوى التدين زاد عند المواطنين المغاربة، معتمداً على جملة مؤشرات منها الإقبال على المساجد في رمضان، ومدارس التعليم الديني، والعناية بالمساجد ودور القرآن، وارتفاع عدد الحجاج.
وسجل المركز تنامي عدد بيوت الله في الكثير من مدن المملكة متجاوزة الـ 50 ألف مسجد، فضلا عن تزايد الإقبال في تسجيل الأطفال في مدارس التعليم العتيق (التعليم الديني)، وكذلك النقاشات المجتمعية الرافضة لبعض التيارات الوافدة، ومنها حركة “ما صايمينش” (لن نصوم)، وغيرها.
وتجلت مظاهر التدين عند المركز البحثي بارتفاع أعداد المصلين في التراويح والتهجد في الكثير من مناطق المملكة، وصلاة ربع مليون مصلٍّ خلف الإمام المعروف عمر القزابري بالدار البيضاء، بالإضافة إلى تزايد أعداد المسجلين لأداء فريضة الحج، إذ وصل عدد الحجاج عام 2016 أكثر من 25 ألف حاج، والعدد نفسه تقريباً سجل في عام 2017.
ووفق المصدر ذاته، اعتبر 77 في المائة من الشريحة المستجوبة أن للدين أهميته على مستقبل البلاد، في حين قال 51 في المائة منهم إن البرامج الدينية في القنوات التلفزية تعد أهم مرجع ديني يستقون منه معلوماتهم عن شؤون دينهم وعباداتهم، واعتبرت نسبة ساحقة أن “داعش” جماعة تمثل انحرافاً عن تعاليم الإسلام السمحة.
ومما يكفي في دراسة مؤشرات التدين عند المجتمع المغربي هو حالتهم اليومية إذ تجد سلطة الله عزوجل أو الإسلام كمرجع بارزة في أدنى خلاف بين مواطنين أو داخل سيارة الأجرة أو في محل تجاري ..، فتسمع كل التعابير والأقوال في معانيها مأخوذة من مرجع واحد هو الإسلام. فعلى سبيل المثال، نجد تعبير “اتق الله” يتكرر في كل الوضعيات التواصلية بين المغاربة وفي كل مواقفهم المعيشية.
هذا الاستعمال والالتزام بالدين الإسلامي كمرجع في الحياة لا يمكن أن يكون إلا مظهرا من مظاهر التدين الواضحة، لما للدين من سلطة أخلاقية تضبط الناس في حالات الغضب والانحلال الأخلاقي والقيمي.
ولنفهم بشكل أكبر مظاهر التدين عند المجتمع المغربي سنجيب على السؤال التالي: عن موقع الطقوس والشعائر الإسلاميَّة في واقع التديُّن والممارسات السلوكيّة للمجتمع المغربي، بعبارة أخرى هل هذه الطقوس والشعائر لها أثر إيجابي في الحياة العامة والخاصّة يحقق الحكمة من تشريعها، أم أنَّها اقتصرت على تأديتها فقط دون أيِّ أثر؟
الجواب، الحياة العامة للمغاربة في كل المناحي تجدها محكومة بسلوكات ومعاملات متناسقة مع توجيهات الإسلام بالضرورة، وتجد من يخالف هذه المرجعية يستغفر من فعله المخالف لأن السلطة الأخلاقية للإسلام تبقى حاضرة بقوة عند كل مغربي مهما تخلف في التزامه الديني.