العلمانيون قالوا: “نعم” و”لا” للدستور الجديد إبراهيم بيدون

بسبب صياغته بطريقة الحفاظ على التوافقات، واعتماد لغة ترضي جميع الأطراف، استحق دستور 2011م الحصول على رضا الإسلاميين الذين فرحوا بتعزيز مكانة الهوية الإسلامية في الدستور الجديد؛ وتقييض فصول عبرت على الانفتاح المطلق على كونية حقوق الإنسان والمساواة باحترام ثوابت البلاد، كما نال دستور 2011م رضا العلمانيين أيضا؛ لأنه حقق سبقا في المجال الديمقراطي واعتبروه خطوة متقدمة في انخراط المغرب في المشروع الحداثي؛ الرامي إلى تحقيق ملكية برلمانية في المستقبل.

وكما عبر العدل والإحسان عن رفضهم للدستور الجديد لخلفيتهم المعارضة للملكية وللملك جملة وتفصيلا!! ونادت أصوات علمانية أخرى برفض هذا الدستور لأنه يجهض كل محاولات التقدم والحداثة حين يقيدها بالحفاظ على الخصوصية وثوابت الأمة المغربية!!

لماذا قال العلمانيون نعم للدستور؟
قالوا نعم؛ لأنهم يدركون أن التفسير العلماني والتكييف الحداثي لنصوص الدستور هو الذي سوف يحقق مقصودهم وأهدافهم، بحكم أن المغرب يسير وفق منظومة فكرية وثقافية وسياسية وحقوقية أكثر حداثة وانفتاحا على الغرب، وذلك منذ أن استعاض عن أحكام وتقريرات الشريعة الإسلامية بالأحكام والقوانين الوضعية..
قالوا نعم؛ لأن الدستور الجديد قرر سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، وأما تقييدها باحترام الخصوصية والثوابت الأساسية للمغرب، فهو قيد يسهل تجاوزه في ظل تقرير الخيار الديمقراطي المنبني على كونية التشريعات والقوانين والقيم..
قالوا نعم؛ لأن الدستور أقر حرية التعبير والإبداع بدون رقابة..، وحرية الفكر والرأي (التي يفسرها البعض بحرية المعتقد)..
قالت الجمعيات الحقوقية النسائية نعم، وعلى رأسها فوزية العسولي لأن رمزية قدسية الفصل 19 في الدستور السابق آلت على حد قولها إلى المساواة بين الجنسين في جميع الحقوق، وتسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ التكافؤ بين الرجال والنساء، وتحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز..
قالوا نعم؛ لأن الدستور الجديد اعترف بأن اللغة الأمازيغية هي أيضا لغة رسمية للدولة..، لأنها من مقومات الهوية الوطنية، والغنية بروافدها ومنها العبرية..
قالوا نعم؛ لأن الملك هو رئيس الدولة في الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والوحدة الترابية، وأميرا للمؤمنين في الشأن الديني بترؤسه للمجلس العلمي الأعلى، وهو الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى، وهو ما يعتبر احتكارا للشأن الديني في المؤسسات الرسمية، وبحكم أن هذه المؤسسات غير فاعلة في الواقع؛ صفق العلمانيون؛ ورفعوا أصواتهم بنعم للدستور الجديد..
قالوا نعم؛ لأن الغرب ثمن الدستور الجديد واعتبره قفزة ديمقراطية نوعية تستحق التشجيع، وهو ما جعل الجمعية البرلمانية الأوربية تمنح برلمان المغرب صفة الشريك من أجل الديمقراطية..
قالت الأحزاب نعم؛ لأنها نالت مكسب بلوغ كرسي رئاسة الحكومة على أساس الحزب الفائز في الانتخابات، ولأن الوزير الأول صار يتمتع بصلاحيات كثيرة كانت في يد ملك البلاد في الدساتير السابقة..

لماذا قال العلمانيون لا للدستور الجديد؟
من أبرز الوجوه العلمانية التي رفضت مشروع الدستور الجديد خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومحمد الساسي عضو مكتب حزب الاشتراكي الموحد، وأحمد عصيد الناشط الأمازيغي، وعبد الرحمن بنعمرو نائب الكاتب العام لحزب الطليعة، وعبد الله الحريف الكاتب العام للنهج الديمقراطي، ونوبير الأموي الأمين العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وعبد السلام العزيز الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي، وشباب 20 فبراير أصحاب الفكر الحداثي..
قالوا لا؛ لأنه دستور ممنوح!
قالوا لا؛ لأن الملك بقي يسود ويحكم، وحافظ على سلطاته المطلقة، من خلال ترؤسه للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومجلس الوزراء، والمجلس الأعلى للأمن، والمجلس العلمي الأعلى، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة المكلية، ويعين الوزراء ويقيلهم باستشارة مع الوزير الأول، ويعين 6 من أعضاء المجلس الدستوري ومن بينهم الرئيس!!
قالوا لا؛ لأن الدستور الجديد لم يقرر مطلب الملكية البرلمانية التي تجرد الملك من تخصصات كثيرة بقي متمسكا بها بنصوص الدستور الجديد..
قالوا لا؛ لأن الدستور الجديد لم يعترف بحرية المعتقد التي تمثل أسمى أشكال قبول الاختلاف..
قالوا لا؛ لأن مشروع الدستور الجديد لم يحدث أي قطيعة مع الملكية التنفيذية (عبد الرحمن بنعمرو).
قالوا لا؛ لأن مشروع الدستور الجديد يكرس الاستبداد (عبد الله الحريف).
قالوا لا؛ لأن الدولة توظف الدين في السياسة، والدستور الجديد لا يساير سمو القوانين والمواثيق الدولية على ثوابت البلاد (خديجة الرياضي).
قالوا لا؛ لأنه دستور يعبر عن هاجس الحفاظ على أسس الملكية المطلقة مع الرغبة في التظاهر بالتنازل لصالح المطالب الديمقراطية، والسقوط في التوافقات الرامية إلى إرضاء كل الأطراف دون الأخذ بعين الاعتبار متطلبات الإصلاح الفعلي والديمقراطية الشاملة!! وأما الحقوق التي سجلها الدستور الجديد فقد تم إجهاضها -حسب وجهة نظرهم العلمانية- بإضافة عبارة “وفق الثوابت الراسخة للمملكة”.. (أحمد عصيد).
قالوا لا؛ لأن اللغة التي كتبت بها بعض فصول الدستور مبهمة ومتناقظة وغير قانونية، وتساءل الساسي: عن معنى أن يأتي في الديباجة أن القانون الدولي يسمو على القوانين الوطنية وفي نفس الوقت بما لا يتعارض مع الثوابت الوطنية!!
لقد أكدت استطلاعات الرأي أن النسبة الغالبة من المغاربة ستصوت بنعم للدستور الجديد، وبهذا الاعتبار سيكون هذا الدستور معتمدا، غير أن الرهان يكمن في الإيديولوجية التي ستتحكم في تفسير وتنزيل نصوصه، فإذا غلبت المرجعية العلمانية فستكون نعم العلمانية هي التي انتصرت، وإذا التزم الدستوريون باحترام ثوابت الأمة المغربية وعلى رأسها الدين الإسلامي فستكون نعم التي صوت بها المحافظون على هوية المغرب هي الغالبة..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *