هل انتصرت غزة؟ د. أكرم كساب

قال لي صاحبي والغيظ يملأ قلبه: هل انتصرت غزة؟
قلت: نعم؟
قال: لا تضلوا الناس؟ كفاكم تضليلا..
قلت: ماذا تقول؟
قال: توهمون الناس بالنصر؛ وأي نصر وقد قتل أكثر من ألفين، وأصيب أكثر من عشرة آلاف، وشرد الألوف، ودمر المئات وربما الألوف من المنازل، فأي نصر هذا؟!
قلت له: دعني أسديك أمرا مهما وهو: أن من أراد تحرير أمة واستنهاض شعب فإنه لا يحسب الأموات، لأنه يعمل للأحياء.
صمَتُّ قليلا، ثم قلت له: أنت محق لأن إخواننا في غزة لم يقضوا على اليهود المغتصبين، ولم يطردوهم من أرضهم، وكان عدد قتلاهم أقل من عدد إخواننا. لكن هل هذا أو بهذا يكون النصر وحده؟
إنه والحق يقال -كما قرر علماؤنا-:
1. أن قتل المسلم قد يكون نصرا لأنه شهادة في سبيل الله تعالى، ومن قتل ومات كميتة كأهل غزة فهو شهيد إن شاء الله، والشهداء أحياء كما قال ربنا: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: 169).
2. أن الثبات على مبدأ صورة من صور النصر، وهذا ما حققه أهلنا في غزة، فهم كغلام الملك الذي أراد الملك قتله، فلما استعصى عليه الأمر، أشار عليه بكيفية قتله فمات الغلام وهو ثابت على مبدئه وفكرته، وما تمن أجل عقيدته، وأهلنا في غزة من مات منهم مات دفاعا عن دينه وأرضه وكرامته وحريته، وفي المسند عند أحمد: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد»3.
وحتى من هُجّر من أرضه وخرج مكرها فهو منصور، وإلا فهل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن نصرا؟ لا والله لقد كان نصرا مؤزرا، وفتحا مبينا، وقد قال ربنا سبحانه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} (التوبة: 40).
والذي ينظر إلى ما حققه أهل غزة سيجد أنهم انتصروا، وأذكر هنا سريعا ما يلي:
1. وحدة الفصائل وقتالها تحت راية واحدة يعد نصرا.
2. ارتباط الشعب بالمقاومة وفرحه بهم يعد نصرا.
3. إيمان الشعب بقضيته وعدم ضجره يعد نصرا..
4. قهر أسطورة الجيش الذي لا يقهر بما لم يقهر به من قبل يعد نصرا.
5. نهاية الحروب الخاطفة (حرب الست ساعات) حيث صمد الشعب وصمدت المقاومة يعد نصرا.
6. فضح صهاينة العرب من المتآمرين والخونة شعوبا وحكومات ونخبة مثقفة يعد نصرا.
7. وجود قتلى ونازحين في الجانب الصهيوني وهو ما يسمى بتوازن الرعب يعد نصرا.
8. محاصرة اليهود بغلق المطار وتأجيل رحلات الطيران وإيقاف الدوري يعد نصرا.
9. إرغام اليهود على النزول على شروط المقاومة كفتح المعابر (حتى وإن تأجلت بعض الشروط) يعد نصرا.
10. المفاوضة تحت صوت السلاح ولآخر لحظة يعد نصرا.
وأخيرا: فليت من عجز عن مناصرة أهلنا في غزة يكف عن تخوينهم وتكفيرهم وتثبيطهم، ومن عجز عن قول الخير وجب عليه السكوت، وفي الصحيحين: «ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
نصر الله أهل غزة، وفضح الله كل عميل خائن.
والحمد لله أولا وآخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *