صيفـنا يحكـي غربتـنــا نريد استغلال العطلة الصيفية بما يعود علينا وعلى أطفالنا بالنفع في الدنيا والآخرة

يأتي وقت الصيف وكأنه قد آن للكادحين أن يرتاحوا من عناء العمل، فتُشدُّ الرحال إلى المصايف ودور اللهو، ومن آثر الراحة في بيته أجهد قلبه في القنوات والفضائيات التي تنطلق في الصيف انطلاق الشيطان بعد رمضان.
أين هي تلك الراحة؟
فمِن عناء السعي على الكسب ومتابعة الأولاد في دراستهم والمذاكرة والامتحانات وانشغال القلب بالرزق والشهادات، إلى عناء القلب من معصية الله في موسم الصيف.
مسكين ذلك الإنسان، تصرخ الروح فيه ولا يدري ممّ تصرخ؟
يريد أن يُسكت الصوت داخله فيزين له الشيطان أودية الحرام بدعوى الحاجة إلى الترويح واللهو لينتقل ذلك المغبون من مشغلة الدنيا إلى مشغلة المعاصي على شواطئ البحار ودور اللهو والأندية والنواصي وفي الطرقات وأمام الفضائيات.
فإلى متى يبقى هذا القلب عن الله مُشرّدًا؟
ومن أين تأتيه الراحة أو يعرف السرور وهو منهك في كل وادٍ إلا في طاعة الله، ومشغول بكل شيء إلا بالإقبال على الله؟
إن الترويح والترفيه يعني إدخال السرور على النفس وتجديد نشاطها والتنفيس عنها دفعًا للسآمة والملل.
فأين هذه النفوس الناصبة الذاكرة الجادة حتى تبتغي الترويح فيما هو مباح لتجدد من نشاطها في الإقبال على ربها؟ وعند أنفسنا من الغفلة ما يكفينا.
وإلا، فأين تلك الوسائل التي تُسعد هذه النفوس التي تعلقت بالله ربها؟!
وصدق فينا قول القائل: “وداوني بالتي كانت هي الداء”.
هلموا إلى صيف جديد
حثت الشريعة السمحاء على الترويح عن النفس، لإشباع حاجة الإنسان الروحية والعقلية والبدنية، وجعلت له ضوابط محكمة تحقق للنفس متعتها ولا تضر بالدين والآداب والأخلاق.
فالترويح يذهب عن الإنسان الملل والضجر وضيق الصدر، لكن لماذا حين نذكر الترويح عن النفس يقابله دائما انتهاك الحرمات والتفريط في الواجبات، ألا يمكن أن نستغل العطلة في ما يعود علينا وعلى أطفالنا بالنفع في الدنيا والآخرة.
فهلموا إلى صيف جديد يذوق القلب فيه طعم الراحة من عناء البعد والانشغال عن الله، ويجتمع فيه شتات النفس المنهمكة في أودية الدنيا، من جمع المال وتحصيل الشهادات، ونيل المراتب والدرجات، وتنعم فيه النفس بسعادة طالما بحثت عنها في كل سبيل إلا في الطريق إلى الله.
نريد صيفًا يُجَسد حرص المسلمين على مرضات ربهم والإقبال عليه، صيفا يحكي أننا وإن غفلنا فابتعدنا عن الله في زحمة الدنيا ومشاغلها إلا أننا نجد الفراغ فرصة وأملاً في العودة إلى الله.
نريد صيفًا يجدد نشاط القلب الذي مَلَّ التعلق بالدنيا الفانية، وسئم النصب من أجلها، ليستعيد هذا القلب حياته من جديد.
نريد صيفًا الفراغ فيه مطية إلى مرضات الله، وتداركًا لما غفلنا عنه أو فرطنا فيه من حق الله.
فلِمَ لا تصنف الجمع لتعبئة الأمة إلى الله في موسم الصيف والعطلات؟
فيرتبط المسلم بكتاب الله عز وجل تلاوة وحفظًا، ليُعرف وقت الصيف من كل عام أنه موسم أصحاب القرآن الذين يجدّون وينشطون في تعلمه وتعليمه، قال صلى الله عليه و سلم: “يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” (صحيح أبي داود 1464).
وفي الصيف يتعلم المسلم دينه في بيوت الله، يستمع كلام الله ورسوله في صحبة الملائكة، تغشاه رحمة الله، وتتنزل عليه السكينة من عند الله، وينال شرف ذكر الله له باسمه في الملأ الأعلى، قال صلى الله عليه و سلم: “.. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده” (مسلم).
وفي الصيف يتذاكر طلاب العلم دروس العلم ويواصلون ويجدّون في مدارسته وتعليمه، يقربون علوم الشرع للناس، قال صلى الله عليه و سلم: “من تعلم العلم ثم لا يُحدّث به، كمثل الذي يكنز الكنز ثم لا ينفق منه” (صحيح الترغيب والترهيب).
وفي الصيف تتعلق القلوب بالمساجد، فلا ترى أَرْوَح لها من المكث في بيت الله، فتفر من حرّ الصيف إلى بيت الله لتنعم بظل الله يوم تدنو الشمس من رؤوس العباد ولا ظل إلا ظل الله عز وجل.
قال صلى الله عليه و سلم: “سبعة يظلهم الله -تعالى- في ظله يوم لا ظل إلا ظله” وذكر منهم: “ورجل قلبه معلق في المساجد” (البخاري 1423).
وفي الصيف تُشَدّ الرحال إلى بيت الله الحرام، في رحلة مباركة إلى البقاع الطاهرة لأداء مناسك العمرة، فإن عزّ علينا المال، فكم من الأموال تُدَّخر لتنفق في أمور الدنيا وحاجاتها التي لا تنتهي، بل من الناس من يدَّخرون من رواتبهم طول العام لينفقوا ما ادخروه على شواطئ المصايف التي لا ترضي الله -عز وجل-.
فادَّخر ما استطعت والله عز وجل منه البركة وحده، ينفي فقرك، ويسد حاجتك، ويكفيك وعيالك، قال صلى الله عليه و سلم: “تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خَبث الحديد” (صحيح سنن النسائي)، وقال صلى الله عليه و سلم: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها” (مسلم).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *