كان فتح موسى بن نصير للمغرب الأقصى سنة76 هـ/695م بداية دخول دين الإسلام لربوع بلدنا، وإيذانا بمجد إسلامي سطر التاريخ معالمه، وإنجازاته، ورجالاته.
ويأتي بعد هذا الفتح قيام دولة الأدارسة على يد إدريس الأول الذي قال فيه المؤرخ محمد المنوني رحمه الله: “ويعتبر المؤسس لأول دولة إسلامية بالمغرب، فيحدد مبادئها في رسالته التي خاطب بها الأمازيغيين المغاربة…
وهو يعزز هذه الدعوة بالعمل لتحقيقها، فيجاهد ضد الديانات والنحل المنحرفة: في شالة وتامسنا والأطلس المتوسط والمغرب الشرقي حتى تلمسان وما إليها، وذلك ما يسجله ابن خلدون وهو يتحدث عن المغرب الإدريسي: “محا جميع ما كان في نواحيه من بقايا الأديان والملل”.
وبتحقيق هذا المكتسب الإسلامي التف حول الدولة المغربية الجديدة جماهير الأمازيغيين…
ثم ذكر المؤرخ المنوني أهداف تأسيس دولته، ودعوة إدريس الأول؛ فذكر منها:
1- أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
2- وإلى العدل في الرعية والقسم بالسوية، ورفع المظالم والأخذ بيد المظلوم.
3- وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وإنقاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد.
4- واذكروا الله في ملوك غيروا، وللأمان خفروا، وعهود الله وميثاقه نقضوا، ولبني بيته قتلوا.
5- وأذكركم الله في أرامل احتقرت، وحدود عطلت، وفي دماء بغير حق سفكت.
6- فقد نبذوا الكتاب والإسلام، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه.
7- واعلموا عباد الله أن مما أوجب الله على أهل طاعته المجاهرة لأهل عداوته ومعصيته، باليد وباللسان…
وبعد الأدارسة ظهر المرابطون في صحراء موريتانيا، وكان من مبادئهم إبقاء عقيدة الأمة نقية، وتوحيد المغرب، وحماية الأمة من المفسدين، وحفظ الشريعة، وإعداد الأمة إعدادًا جهاديًّا، وكان من حكامها يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني الذي ولاه عبد الله بن ياسين أمر المرابطين، وبعد وفاته ولى أخاه أبا بكر بن عمر اللمتوني، ثم بويع يوسف بن تاشفين وسمي بأمير المسلمين.
وبعد وفاة يوسف بن تاشفين ضعف المرابطون، لانغماسهم في الملذات، وانحراف نظام حكمهم، ثم بايع الناس الموحدين بعد ظهورهم عندما تولَّى أبو يوسف يعقوب الموحدي كان عهده العصر الذهبي لدولة الموحدين، قال فيه العلامة خالد الناصري رحمه الله: “كان المنصور يشدد في إلزام الرعية بإقامة الصلوات الخمس، وقتل في بعض الأحيان على شرب الخمر، وقتل العمال الذين تشكوهم الرعايا، وأمر برفض فروع الفقه وإحراق كتب المذاهب، وأن الفقهاء لا يفتون إلا من الكتاب والسنة النبوية، ولا يقلدون أحدا من الأئمة المجتهدين، بل تكون أحكامهم بما يؤدي إليه اجتهادهم من استنباطهم القضايا من الكتاب والحديث والإجماع والقياس” الاستقصا 2/200.
ثم بدأ عصر الضعف من جرَّاء ظلمهم وسفكهم للدماء، وثورات الأعراب والأندلسيين عليهم، والنزاع على الخلافة بينهم، والانهيار العسكري، والانغماس في الشهوات، وتقلُّص الدولة في إفريقيا والمغرب والأندلس، فبياع المغاربة الْأَمِير أبي مُحَمَّد عبد الْحق بن محيو المريني رَحمَه الله، ثم أولاده من بعده على حفظ الدين والجهاد في سبيل إعلاء راية الإسلام.
فظهر السعديون بقيادة القائم بأمر الله، فأنهى حكم بني وطاس، وانتصر على البرتغاليين، ثم بويع المنصور الذهبي رحمه الله بالخلافة سنة 986 هـ إثر الانتصار الكبير الذي حققه الجيش المغربي بقيادته وقيادة أخيه السلطان عبد الملك على النصارى الذين ساندوا المتوكل على الله في معركة “وادي المخازن” أو معركة “الملوك الثلاثة” كما هو معروف، وبويع السلطان أحمد المنصور ملكا للمغرب.
وقد “اجتمع عليها -أي البيعة- من حضر هناك من أهل الحل والعقد، ثم لما قفل المنصور من غزوته تلك، ودخل حضرة .. وجددت له البيعة بها، ووافق عليها من لم يحضرها يوم “وادي المخازن”، ثم بعث إلى مراكش وغيرها من حواضر المغرب وبواديه، فأذعن الكل للطاعة، وسارعوا إلى الدخول فيما دخلت فيه الجماعة”.
ثم قامت الدولة العلوية لترأب الصدع وتحرر ما احتل من ثغر، وتجاهد من اعتدى من أهل الكفر والزيغ والضلال، وكانت البيعة لسلاطين الدولة العلوية مبنية على حفظ الدين واتباع سنة خاتم الأنبياء المرسلين والجهاد في سبيل إعلاء راية الدين.
نورد بعضا من المبايعات التي بويع بها الملوك العلويون:
بيعة تطوان للسلطان محمد بن عبد الرحمن: “بادر إذ ذاك أعيان أهل تطوان… وبايعوه على الكتاب والسنة، وما شرعه الرسول وسنه، مبايعة كاملة تامة، شاملة عامة، على السمع والطاعة وملازمة السنة والجماعة، اتباعا لما أمر به الملك العلام، وحضّ عليه سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام”.
وجاء في بيعة العلماء للسلطان الحسن الأول رحمه الله بديباجة محمد المهدي ابن الطالب بن سودة ما نصه: “فأقر وأشهد وأعترف لنجله سيدنا ومولانا الحسن المذكور وأبايعه على السمع والطاعة، فيما أمر به الشرع بحسب القدرة والاستطاعة، وما أمر به كتاب الله وسنة رسول الله”.
وتأتي بيعة مولاي عبد الحفيظ بيعة استثنائية في تاريخ الدولة المغربية، فالبيعة الحفيظية «بيعة مشروطة» ومقيَّدة بعدد من الالتزامات، ابتدأت بإدانة حكم أخيه المولى عبد العزيز، الذي عمل على “موالاة الكافرين ونبذِ شروط الكتاب والسنة وفساد مصالح الأمة وإسناد أمور الدين إلى الجهلة ونبذ الزكاة، لفظا ومعنى وحكما، وتبديلها بقانون الكفرة ونهب الأموال وسفك الدماء وتسليم وجدة والاستيلاء على الدار البيضاء”.
كما ركـّزت “البيعة المشروطة” على تقييد السلطان الجديد مولاي عبد الحفيظ بستة شروط، هي:
“أولا: أن يعمل جهده في استرجاع الجهات المُقتطـَعة من الحدود المغربية، ثانيا: أن يبادر إلى طرد الجنس المحتل من الأماكن التي احتلها، ثالثا: أن يسعى جهده في إلغاء معاهدة الجزيرة، لأنه لم يرجع فيها إلى الشعب، رابعا: أن يعمل على إلغاء الامتيازات الأجنبية، خامسا: ألا يستشير الأجانب في شؤون الأمة، سادسا: ألا يبرم مع الأجانب عقودا سلمية أو تجارية إلا بعد استشارة الأمة”.
فالمغاربة كانوا يبايعون سلاطينهم على السمع والطاعة مقابل حفظ السلاطين لبيضة الدين ونصرة الشريعة الإسلامية ومحاربة كل أنواع المروق من الدين، فالرابطة التي تجمع بين الشعب والسلطة الحاكمة في المغرب كانت رابطة دينية مستمدة من الشريعة الإسلامية، وذلك على اختلاف الأسر الحاكم التي تعاقبت على حكم المغرب.
ما يجعل من الدعوات التي ترفع اليوم وتنادي بإلغاء إسلامية الدولة دعاوى خارج السياق ولا مستند لها من التاريخ ولا أساس لها من الصحة.