تعريف الفتوى وبيان منزلتها

الفتوى لغة: اسم مصدر بمعنى الإفتاء، والجمع الفتاوى والفتاوي. يقال: أفتيته فَتْوى وفتيا، إذا أجبته عن مسألته. والفتيا: تبيين المشكل من الأحكام. وتفاتوا إلى فلان: تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفتيا. والتفاتي: التخاصم. ويقال: أفتيت فلاناً رؤيا رآها، إذا عَبَرتها له، (لسان العرب والقاموس المحيط). ومنه قوله تعالى حاكياً عن ملك مصر: {يَا أَيُّهَا الْمََلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي} يوسف. 

قال ابن منظور: فتيا وفَتْوى؛ اسمان يوضعان موضع الإِفْتاء، ويقال أَفْتَيْت فلاناً رؤيا رآها: إِذا عبرتها له، وأَفْتَيته في مسأَلته: إِذا أَجبته عنها.. يقال أَفْتاه في المسأَلة يُفْتِيه: إِذا أَجابه والاسم الفَتْوى. والفُتيا تبيين المشكل من الأَحكام، أَصله من الفَتَى، وهو الشاب الحدث الذي شَبَّ وقَوِي، فكأَنه يُقَوّي ما أَشكل ببيانه، فيَشِبُّ ويصير فَتِيّاً قوّياً.
وقال الفراهيدي في العين: فقيه يفتي: أي يبين المبهم، ويقال: الفتيا فيه كذا، وأهل المدينة يقولون: الفتوى.
فالاستفتاء لغة: طلب الجواب عن الأمر المشكل، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ (الكهف)؛ وقد يكون بمعنى مجرد السؤال، ومنه قوله تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ (الصافات)، قال المفسرون: أي اسألهم.
والمفتي لغة: اسم فاعل أفتى، فمن أفتى مرة فهو مفتٍ، ولكنه يحمل في العرف الشرعي بمعنى أخص من ذلك، قال الصيرفي: هذا الاسم موضوع لمن قام للناس بأمر دينهم، وعَلِم جُمَل عموم القرآن وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، وكذلك السنن والاستنباط، ولم يوضع لمن عَلِم مسألة وأدرك حقيقتها، فمن بَلَغ هذه المرتبة سمّوهُ بهذا الاسم، ومن استحقه أفتى فيما اُستفتي فيه. (بدر الدين الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، 6/305).
وقال الزركشي: المفتي من كان عالماً بجميع الأحكام الشرعية بالقوة القريبة من الفعل وهذا إن قلنا بعدم تجزؤ الاجتهاد. (البحر المحيط، 6/306).
والفتوى في الاصطلاح: “الإخبار بحكم الشرع بدليله لمن سأل عنه”، وهذا يشمل السؤال في الوقائع وغيرها.
وتتبين منزلة الفتوى وأهميتها في الشريعة من عدة أوجه نذكر منها:
1- أن اللّه تعالى أفتى عباده، وقال: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} النساء، وَقَال تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} النساء.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتولى هذا المنصب في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وقد أوحى الله إليه بذلك في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل، فالمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان، وقد تولى هذه الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابُه الكرام، ثم أهل العلم بعدهم.
3- أن موضوع الفتوى هو بيان أحكام اللّه تعالى وتطبيقها على أفعال الناس، فهي قول على اللّه تعالى أنه يقول للمستفتي: حق عليك أن تفعل، أو حرام عليك أن تفعل، ولذا شبّه القرافي المفتي بالترجمان عن مراد الله تعالى، وجعله ابن القيم بمنزلة الوزير الموقّع عن الملك قال: إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحلّ الذي لا ينكر فضله؛ ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيّات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات (إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 1/10).
وقال النووي: المفتي موقّع عن اللّه تعالى، ونقل عن ابن المنكدر أنه قال: العالم بين اللّه وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم. (مقدمة المجموع 1/73).
ويدخل الإفتاء الأحكام الاعتقادية: من الإيمان بالله واليوم الآخر وسائر أركان الإيمان.
والأحكام العملية جميعها: من العبادات والمعاملات والعقوبات والأنكحة.
ويدخل الإفتاء الأحكام التكليفية كلها، وهي الواجبات والمحرمات والمندوبات والمكروهات والمباحات.
والأحكام الوضعية، كالإفتاء بصحة العبادة أو التصرف أو بطلانهما (الفروق للقرافي 4/48-54).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *