الشرك في الربوبية

سبق معنا في تعريف توحيد الربوبية أنه: إفراد الله بالخلق والملك والتدبير؛ أي: الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى هو صاحب الخلق المطلق والملك المطلق والتدبير المطلق، وأنه لا شريك له في ذلك.

فمن اعتقد أن لله شريكا في ذلك؛ فقد أشرك:
مثاله: عقيدة من يعتقد أن لله شركاء يتصرفون معه في الكون؛ ويسمونهم: الأقطاب والأغواث والأبدال:
قال الجرجاني في تعريف القطب: “هو عبارة عن الواحد الذي هو موضوع نظر الله في كل زمان أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد؛ بيده قسطاس الفيض الأعم وزنه يتبع علمه؛ وعلمه يتبع علم الحق؛ وعلم الحق يتبع الماهيات الغير المجعولة؛ فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل؛ وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس لا من حيث إنسانيته؛ وحكم جبرائيل فيه كحكم النفس الناطقة في النشأة الإنسانية؛ وحكم ميكائيل فيه كحكم القوة الجاذبة فيها؛ وحكم عزرائيل فيه كحكم القوة الدافعة فيها”اهـ.
وقال التيجاني: “اعلم أن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق مطلقا في جميع الوجود جملة وتفصيلا، حينما كان الرب إلها كان هو خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من عليه ألوهية الله -تعالى- ثم قيامه بالبرزخية العظمى بين الحق والخلق، فلا يصل إلى الخلق شيء كائنا ما كان من الحق إلا بحكم القطب وتوليه نيابته عن لحق في ذلك وتوصيله كل قسمة إلى محلها، ثم قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود جملة وتفصيلا؛ فترى الكون كله أشباحا لا حركة لها، وإنما هو الروح القائم فيها جملة وتفصيلا” .
ويقول إدريس بن الأرباب: “درجات الأولياء على ثلاثة أقسام؛ عليا ووسطى وصغرى؛ فالصغرى أن يطير في الهواء ويمشي على ظهر الماء، وينطق بالمغيبات، والوسطى أن يعطيه الله الدرجة الكونية؛ إذا قال للشيء كن فيكون، والكبرى وهو درجة القطبانية” .
فجعل القطب أعلى درجة من الذي يقول للشيء كن فيكون!
وقد أخبروا عن بعض أحوال مشايخهم في ذلك؛ فقال الشعراني عن شمس الدين الحنفي: “هو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود وصرفه في الكون وأنطقه بالمغيبات” .
وقال عبد العزيز الدباغ لمريده: “إن كنت تعتقد أن البس -أي القط- في جميع أقطار الأرض يأكل الفأر بغير إذن مني فما أحسنت الأدب معي” .
وليعلم أن القطب له اسم آخر؛ هو الغوث، لأنه ملجأ المستغيثين:
قال الجرجاني في التعريفات (1/209):
“الغوث هو القطب حينما يلتجأ إليه، ولا يسمى في غير ذلك الوقت غوثا”اهـ.
فالقطب -إذن- متعلَّق شركٍ من وجهين: وجه يمس بتوحيد الربوبية من حيث اعتقادهم أنه مفوض من الله للتصرف في الكون، وأنه يقول للشيء كن فيكون، ووجه يمس بتوحيد الألوهية؛ من حيث أنه يلتجأ إليه لجلب النفع ودفع الضر.
والوجه الأول مقدمة للثاني؛ لأن من اعتقد أن من الأولياء من يقول للشيء كن فيكون؛ وأنه مفوض من الله ليتصرف في الكون فلم لا يصرف إليه مخ العبادات؛ وهو الدعاء؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *