وجوب اتباع صراط الله تعالى صراط الكتاب والسنة والبعد عن سبل الشيطان سبل البدعة والفرقة

لقد أمر الله جل وعلا كل مسلم باتباع الصراط المستقيم صراط الكتاب والسنة، ونهى عن سلوك أي صراط سواه فقال تعالى: {وأنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الأنعام.

قال الإمام القرطبي في التفسير 7/137: (هذه آية عظيمة.. فإنه لما نهى وأمر وحذر هنا عن اتباع غير سبيله فأمر فيها باتباع طريقه).
فالصراط المستقيم المذكور في الآية الكريمة هو: سبيل الله الذي دعا إليه وهو السنة، والسبل هي: سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع والأهواء.
وقال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النور.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: (والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو قوله).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً ثم قال: هذا سبيل الله ثم خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الآية، (رواه الدارمي وأحمد والنسائي وقال الألباني: حديث صحيح).
وعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. فقال: “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة”. رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه أحمد وابن حبان، وهو حديث صحيح صححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
وعن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: بلى. قال: إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً”. (رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد، وانظر صحيح الترغيب والترهيب).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: “من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ”.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: (وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام كما أن حديث الأعمال بالنيات ميزان للأعمال في باطنها وهو ميزان للأعمال في ظاهرها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء).
إذا تقرر ذلك فكل من ابتدع في الدين بدعة ولو بقصد حسن فإن بدعته تعتبر طعناً وتكذيباً لدين الله عز وجل، لقوله تعالى‏:‏ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}. وهو الأمر الذي فطن له إمامنا مالك إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى حين أتاه رجل يريد حج بيت الله الحرام فسأله: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول صلى الله عليه وسلم. فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل. قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الاعتصام 1/132).
وقال الإمام مالك رحمه الله: (ومن أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين لأن الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً) (الاعتصام 2/53).
ولأن الله سبحانه وتعالى أخبر بأن الشريعة قد كملت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتصور أن يجيء إنسان ويخترع فيها شيئاً لأن الزيادة عليها تعتبر استدراكاً على الله سبـحـانه وتعالى وتوحي بأن الـشريعة ناقصة وهذا يخالف ما جاء في كتاب الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *