الشباب المغربي بين الخروج عن المألوف والبحث عن اللذة بعيدا عن المسؤولية إبراهيم بيدون

تعتبر فئة الشباب أهم الفئات العمرية وأصعبها من جهة مشاكلها المتعددة وصعوبة احتوائها، ومن جهة أخرى لأنها الدعامة التي يقوم عليها المجتمع في قابل أيامه فمنهم سيكون الحاكم والرعية ورجال الدولة الذين يحملون على عاتقهم تنظيم وتسيير أمورها، وهم الذين سيواجهون التحديات التي بدأت تفرض نفسها على المجتمعات الإسلامية من قبيل حملات التغريب والتنصير والتسفيه والعولمة والتجارة الحرة والنظام العالمي الجديد، وفي خضم كل ذلك كيف سيستطيع الجيل القادم أن يحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية من معتقد وعبادة وسلوك على طريق من سلف..

أمام هذا الركام الكبير من التحديات خرج علينا جيل جديد بدأ يأخذ مكانه في هذا المجتمع، هم شباب يافعون ليسوا كشباب عهدنا الأول فهم شكل آخر.
إنهم ليسوا عاجزين عن المسؤولية، وإنما يرفضونها. والرفض هو طابع هذا العصر الصاخب بالضجيج والملل والضجر واليأس والكآبة. فإن كان كل جيل يرفض على طريقته، فرفض شباب اليوم، يتخذ أشكالا ومظاهر عجيبة غريبة تتجسد بين فترة وأخرى بحركات لا هي سياسية، ولا هي اقتصادية وإنما هي انعكاس لهما.
هذه الحركات تعبر عن نفسها بأساليب خارجة عن المألوف، فلغتها الوحيدة المعتمدة هي الموسيقى، وكتابتها هي الرقص، وإيديولوجيتها هي الغموض، ورسالتها رفض شعارات المجتمع ونواميسه التقليدية المألوفة.
أما عناصرها فهي جحافل أبناء هذا الجيل، إنهم جيل العلم الناقص والفرص الضائعة، الجيل الذي لا يرتوي ولا يشبع، إنهم الجيل الذي يتطلع إلى الحياة المادية بِنَهَم، وكلما أخذ منها يطلب المزيد. إنهم الجيل الشبعان الجوعان الذي يتعطش إلى اللذة الهاربة منه باستمرار في عصر الإباحية والانفلات الأخلاقي.
إنهم باختصار “مجموعات الهيب هوب”، ومجموعات “راب المغرب” أو “الراب على إيقاعات شعبية”، و”الميتال” و”البريك دانس” وعبدة الشيطان، وأصحاب رقصة “تيك تونيك”..، ومهما اختلفت التسميات فالمصدر واحد: خروج عن المألوف، والبحث عن اللذة بعيدا عن المسؤولية.
ولتقريب الصورة إلى القارئ على أعمال هاته المجموعات والعوالم الجديدة، لنلق إطلالة على أحد أهم تجمعاتهم:
يعتبر مهرجان “البولفار” المناسبة الوطنية التي يتجتمع فيها الآلاف من الشباب والفتيات وتتنافس فيها العديد من مجموعات الموسيقى الصاخبة كموسيقى “الراب” و”الهارد روك” في عرض جديد الأغاني والإيقاعات، غير أن أيام هذا المهرجان تمر في جو من انعدام الأخلاق والرذيلة والطغيان على الواقع، وانتشار الظواهر الشاذة، ونجمل القول بذكر بعضها:
– انتشار الزنا بين الفتيان والفتيات بسبب الاختلاط والتبرج وانعدام الوازع الديني، مما يجعل تحصيل اللذة أمرا سهلا، وقد أوردت بعض المجلات والصحف صور تبادل القبلات واللمسات على مرأى ومسمع من العموم.
– يعمد هؤلاء الشباب إلى اتخاذ تسريحات غريبة لشعورهم كـ”التشويكة” و”عرف الديك”، ورسم أشكال وخطوط تشبه الوشم وترمز للشيطان أو الرعب..
– وبالنسبة للباس هؤلاء الشباب فإن كل مجموعة تتميز باختياراتها (فأصحاب “الهيب هوب” لباسهم فضفاض بشكل مثير، وأصحاب “التيك تونيك” لباسهم لاصق يعتمد على “البودي” وسروال الجينز “سليم”)، لكن يغلب على الجميع نوع الرسوم والكلمات المكتوبة على هاته الألبسة، كما أن اللون الأسود هو المحبوب عموما عند هؤلاء الشباب.
– أما شرب الخمر فيعرف رواجا بين صفوفهم، فتشرب الفتيات كما يشرب الفتيان.
– تعاطي المخدرات بمختلف أصنافها بما فيها الكوكايين وأنواع من الأقراص المخدرة و”المعجون” وأنواع أخرى كـ Mescaline وCrack و Estasy وLSD و”الموسيخا” التي تهرب من باكستان.
– ثم إن لكل عالم من تلك العوالم قاموسا خاصا من الألفاظ الساقطة والمستهجنة والمقززة وضعوه للتخاطب بينهم.
هاته الظواهر الشاذة ينبغي العمل على محاربتها ونشر ثقافة الحصانة ضدها، لكن المؤسف هو أن هذه المهرجانات أصبحت تلقى دعما وتشجيعا من وزارة الثقافة التي تقدم لها ميزانيتها من أموال المجتمع الضحية، فإلى متى هذا التواطؤ والتطبيع لوزارة الثقافة مع الظواهر الشاذة؟
وقد أصبح هؤلاء الشباب في الآونة الأخيرة ينقلون أعمالهم وثقافتهم من العلب الليلية والمراقص والحفلات الخاصة و”البولفار” إلى الساحات العمومية حتى يضفوا نوعا من الشرعية على تصرفاتهم، وحتى يثبتوا تواجدهم الذي لا يريده الرجعيون والظلاميون على حد تعبير سدنة المشروع العلماني والفرانكفوني والماسوني في مسخ الهوية الإسلامية!!
إن الاعتقاد والدفاع عن فكرة أن هذه الأشكال الجديدة من الموسيقى والأعمال التي بدأ يتعاطاها الشباب هي وسيلة للتعبير عن رفض الواقع السياسي والاقتصادي والتهميش الذي يعاني منه المغرب غير النافع (الطبقة الفقيرة)، لهو من قبيل لبس الحق بالباطل، وإلا فالسؤال الذي يطرح نفسه: ما الدور الذي لعبته مجموعة “ناس الغيوان” في القرن الماضي لدفع عجلة التقدم؟
إن الإحساس بالمسؤولية المبني على التمسك بالدين والهوية هو الذي سينفع البلاد والعباد في مواجهة التحديات التي تقف في وجه تقدمنا!!
لقد أدرك العقلاء أن سعادة الغرب هي في آلاته لا في ذاته، فما جنى الغرب المتمدن من الحرية غير المنضبطة غير الانحلال الخلقي والتفكك الاجتماعي، وها هو الآن يتخلى عن مبادئه ويقبل على القيم الإسلامية، وفي المقابل نتخلى نحن عن قيمنا لنغرق في وحل الرذيلة والإباحية والمتعة واللذة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *