في مطلع سنة 2010 توصلت المؤسسات التعليمية في الطورين الابتدائي والإعدادي بدفتر التتبع الفردي للتلميذ، وتم القيام ببعض التكوينات لفهم محتويات هذا الدفتر استغرقت نصف يوم، وهناك من لم يقم بهذا التكوين أصلا، ومع ذلك طالب بعض المدراء الأساتذة بتعبئته، على الرغم من جهلهم لكيفية ذلك، وهناك من اقتصر على مطالبتهم بتعبئة أسماء التلاميذ فقط، مما يعني أن أحد أركان “المخطط” الاستعجالي تمت محاولة تمريره بارتجال تام دون “تخطيط”.
هل العبرة بكثرة الدفاتر؟ فهذا الدفتر الصحي باق كما طبع إلا من بعض اللمسات التي أجراها عليه الأساتذة لتعبئة المعلومات الشخصية للتلميذ؛ أما المسؤولون عن الصحة -المعنيون المباشرون به- فلم يكلفوا أنفسهم حتى النظر إليه، والإطلاع على محتواه، فكيف لهم بتعبئته!
وعودا على بدء أقول هناك نقائص وعيوب تكتنف دفتر التتبع الفردي للتلميذ، حيث إنه اقتصر في بيان معدلات التلاميذ على ما سماه الموارد الأساسية وهي العربية والرياضيات والفرنسية؛ في غياب تام لعناصر الهوية الأخرى بالإضافة إلى اللغة العربية المتمثلة في مادة الاجتماعيات ومادة التربية الإسلامية؛ إضافة إلى أنه وضع اللغتين -العربية والفرنسية- في كفة واحدة على الرغم من أن الأولى لغة وطنية، والثانية لا تعدو أن تكون لغة أجنبية، ليست من الهوية في شيء.
ومن المؤاخذات أيضا على هذا الدفتر أنه سيشكل عبء لا طاقة للأستاذ على تحمله، خصوصا من حيث الزمن والاختصاص، لأن المعلومات اللازم تعبئتها كثيرة ومتشعبة وخارجة عن اختصاصه، وتزداد الصعوبة كلما كانت المدرسة في وسط قروي، بله بدوي، بالنظر إلى الأمية والجهل الضاربان أطنابهما في هذه الربوع من بلدنا الحبيب. فمن تعبئة بطاقة المعلومات السوسيوتربوية لكل تلميذ والتصديق عليها، إلى تعبئة جدول تتبع التعلمات بالنسبة لكل مادة والتي تتوفر كل منها على ثلاث مكونات، بالإضافة إلى إجراء عمليات التقويم لمستوى التعلمات، إلى المساهمة في مجلس القسم لإعداد مشاريع وخطط عمل، والاتصال بالآباء…
أين سيجد الأستاذ كل هذا الزمن، بل كل هذه الخبرة لتعبئة معلومات حول المؤسسة التعليمية، ومعلومات حول التلميذ ومساره الدراسي؛ ومعلومات حول الحالة الصحية للتلميذ؛ ومعلومات حول الحالة العائلية للتلميذ، ومعلومات حول المحيط المدرسي.
فهل سيستحيل الأستاذ موظفا؟ أم مقدم الحي؟ أم مرشدا اجتماعيا؟ أم طبيبا أو ممرضا؟
ألا يكفيه أنه يعاني من الاكتظاظ في المدن، والأقسام المشتركة في البوادي؟
هذا مع أن هذا الدفتر لازال يعد ضربا من الكهانة بالنسبة للذين لم يقوموا بالتكوين حوله، أما الذين قاموا به فلا زالوا هم أيضا في حيص بيص، لأن نصف يوم من التكوين لم يكف لإزالة الغبش الذي يكتنفه.
إذن فما هو الحل؟
الحل يكمن في أن تتحمل الوزارة الوصية المسؤولية بالفعل، وأن لا تلقيها -كما هو ديدنها مع كل إصلاح- على كاهل الأستاذ، وتحسب أنها قامت بالواجب!
كيف ذلك؟
إن الأمة التي تريد النهوض بذاتها، لابد وأن تنهض بالتعليم أولا، وللنهوض بالتعليم يلزم توفير ميزانية ضخمة، لأن التعليم هو قاطرة التنمية؛ وحتى يتسنى الحصول على مثل هذه الميزانية على الدولة أن تقوم بترشيد نفقاتها، وتضحي بالكماليات، فضلا عن العوائق من أمثال مهرجان موازين وما شاكله. فإن تم توفير هذه الميزانية، جيشت الدولة هذا الجيش العرمرم(1) الذي قضى سني عمره في السهر والتحصيل، ثم بات يضرب أخماس في أسداس فيما يخص مستقبله، بمعنى أن تستثمر خريجي الجامعات هؤلاء، خصوصا في علم النفس وعلم الاجتماع والطب، كي يتحولوا إلى ركائز نهضة، عسى أن ينتشلوا التعليم من الحضيض الذي يربض فيه؛ عوضا عن كونهم معطلين يائسين من أنفسهم، وناقمين على دولتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وهذا -أي بطالة الخريجين- من بين الأسباب التي تؤدي بالتلاميذ إلى العزوف عن إتمام الدراسة.