الأخذ بالكتاب والسنة.. سبيل الغزة والكرامة

الاعتصام بحبل الله هو سبيل المنعة والقوة، وهو سبيل النصر والتمكين والعزة والكرامة، ولقد سجلت أمة الإسلام في التاريخ مكانة مرموقة وسؤدداً عظيماً يوم أن تمسك المسلمون بدينهم، واعتزوا بتعاليم ربهم وتمسكوا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، والتمسوا العزة في دين الله فأعزهم الله سبحانه، وأظهرهم على أعدائهم، فحافظوا على قيادتهم للإنسانية، وريادتهم للبشرية ما بقوا معتصمين بحبل الله، متآلفين على قلب رجل واحد، فهابهم أعداؤهم، وحسبوا لهم ألف حساب وحساب، وحين وقع الخلاف بين أبناء الأمة، وتنازعوا فيما بينهم ضاعت هيبتهم من قلوب أعدائهم، وأصابهم الوهن والضعف، فتداعت عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها وذهبت ريحهم وتبددت قوتهم، وأصبحت بلاد العالم الإسلامي لقمة سائغة، يتطاول عليها القاصي والداني، ويتجرأ عليها الضعفاء قبل الأقوياء.
لذلك يخاطبنا رب العزة والجلال بضرورة الاعتصام والوحدة والبعد عن الاختلاف والفرقة حتى يعود للأمة مجدها وعزتها وسؤددها، وذلك في آيات كثيرة منها:
1- قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا آل عمران:103.
2- وقوله: إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ النساء:146.
3- وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ النساء:175.
4- وقوله: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ آل عمران:101.
5- وقوله: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ الحج:78.
6- وقوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا آل عمران:103.
7- وقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه الشورى:13.
وبالنظر إلى الآيات السابقة -سواء التي حثت على الاعتصام بحبل الله أو التي حذرت من الفرقة والاختلاف ونهت عن التنازع الذي يؤدي إلى الفشل وذهاب القوة والهيبة- نلاحظ أن جميع هذه الآيات مدنية أي أنها نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإقامة دولة الإسلام على أرضها، ونلمس في ذلك إشارتين:
الإشارة الأولى: للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه بأن اعتصامهم بحبل الله هو سبب من أسباب بناء دولتهم ونشأتها وإظهاره على أعدائه بعد العذاب الشديد الذي تعرضوا له.
الإشارة الثانية: إلى أبناء أمة الإسلام بأن يعتصموا بحبل الله ويلجأوا إليه ويحتموا بجنابه حتى يعودوا إلى مجدهم وعزهم، فلا يمكن أن تقوم لهم قائمة إلا بالسير على خطى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولن تعود إلى الأمة عزتها وكرامتها إلا إذا اعتز أبناؤها بالإسلام ونبذوا الفرقة والخلافات وأصبحوا على قلب رجـل واحـد فلن تنصر أمة الإسلامية ولن يتحقق وعد الله لهـا إلا بنصرة دينه كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْمحمد:7. (انظر: تنبيه الأمة على وجوب الأخذ بالكتاب والسنة؛ لسليمان العلوان).
وكما أمرنا الله تعالى في كتابه بالاعتصام بحبله فقد أمرنا كذلك بالأخذ بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عن كل ما نهى عنه، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر:7.
ولا شكّ أنّ الأخذ بالكتاب والسنة من أهم الواجبات وأعظم القربات؛ لأن الأخذ بالرأي المجرّد عن الدليل الشرعي يُوصل إلى المهالك؛ ولهذا قال سهل بن حنيف رضي الله عنه: (اتهموا رأيكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أردّ على رسول الله أمره لرددته، والله ورسوله أعلم) متفق عليه.
وهذا يؤكّد أن الرأي لا يعتمد عليه، وإنما المعتمد على الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء:59.
وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} النساء:65.
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله ذَلِكُمُ الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} الشورى:10.
فالأصل في الحكم بين الناس يردّ حكمه إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. (تفسير الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 8/504، وتفسير ابن كثير1/519).
وقد ذمّ الله القول عليه بغير علم، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} الأعراف:33، فقرن سبحانه القول عليه بغير علم بالشرك بالله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *