السبيل ترصد واقع المسلمين في مدينة كومبيين الفرنسية

 

كومبيين (Compiègne) مدينة في شمال فرنسا، تبعد عن باريس بحوالي 80 كلم، تعرف نشاطا إسلاميا متميزا، بسبب شريحة ومستوى المسلمين القاطنين بها، (مهندسون، أطباء، محامون…).

تم بناء مسجد المدينة قبل أزيد من 22 سنة، وهو قبلة المسلمين بها، لصلواتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وأنشطتهم التضامنية والتعليمية والتربوية، كما أن بالمدينة مركزا فكريا وثقافيا وتربويا هو “مركز ابن رشد للتربية والتعليم”، السبيل حضرت الحفل الذي ينظمه المركز سنويا على شرف قدماء مسلمي المدينة، من المهاجرين الأوائل، وأجرت حوارا مع رئيس المركز، وأيضا مع إمام وخطيب المسجد.

 

أجرى الحوارين من مدينة كومبيين (فرنسا): مصطفى الحسناوي

 

رئيس مركز ابن رشد بمدينة كومبيين:

خطاب الإسلاموفوبيا متواجد دائما في المجتمع الغربي وهكذا نرد عليه..

لو تتفضلون بإعطاء المشاهدين نبذة عنكم وعن مركز ابن رشد؟

زكرياء فؤاد رئيس مركز ابن رشد للتربية والتعليم بمدينة “كومبيين”، ومركز ابن رشد هو مركز ثقافي أسس بمدينة “كومبيين” سنة 2012، بدأ كمشروع للعمل على توعية المسلمين والتعريف كذلك بالثقافة العربية الإسلامية، وهو مشروع ثقافي يشتغل على محورين أساسيين، تربوي وثقافي.

بالنسبة للمحور التربوي نقوم بإعطاء دروس اللغة العربية ودروس اللغات بصفة عامة، ولكن نركز خاصة على دروس اللغتين “العربية والفرنسية”، كبارا وصغارا مسلمين وغير مسلمين، وفي نفس المحور، دروس التقوية والدعم للتلاميذ والطلبة المسلمين، بالاعتماد على أساتذة متخصصين في مجال التربية والدعم.

كم عدد الناس أو الأشخاص المستفيدين الذين يؤطرهم المركز؟

عدد المستفيدين هو دائما في تزايد مستمر، لكن نحن نحاول أن نقبل الطلبات فقط حسب استطاعتنا وحسب حاجة المركز. هذه السنة مثلا 2017 عدد المستفيدين من دروس اللغة العربية بالنسبة للأطفال حوالي 100 طفل، أما بالنسبة لدروس التقوية والدعم فعندنا فصلان، فصل في الصباح وفصل في المساء، كل فصل يقوم بتدريس 20 طالبا، وعدد الطلبة دائما في تزايد ولكن لأسباب لوجيستيكية نحاول ألا نتجاوز هذا العدد.

ما هي جنسية المسلمين المشتغلين في المركز “المسيرين أو المستفيدين”؟

المركز مفتوح للجميع. ولهذا حتى المسيرين وكذلك المشاركين في المركز انتماءاتهم تختلف، لكن باعتبار أكثر المقيمين بالمدينة من أصول مغربية، فلذلك أغلب المسيرين هم مغاربة، ونجد مسيرين عرب، وكذلك عندنا مسيرون فرنسيو الأصل، وهذا يفتح آفاقا جديدة بالنسبة للمركز.

هذا يجرنا للحديث عن مواضيع أصبحت الآن تطفو على الواجهة من قبل مفاهيم الإسلاموفوبيا والعنصرية والكراهية والتطرف إلى غير ذلك. ما موقعكم من هذه المصطلحات ومن هذه المفاهيم؟

إشكالية الإسلاموفوبيا متواجدة، نجدها في خطابات بعض رجال السياسة، وعند قلة من فئات المجتمع وعند بعض القنوات الفضائية، ووسائل الاتصال. أنا أظن أن الواجب الأساسي هو واجب التعريف، على المسلمين أن يعرفوا بثقافتهم وأن يعرفوا بأنفسهم، هذا هو الأمر الأساسي الذي ينقص المسلمين، على المسلمين أيضا أن يشاركوا، لا يشاركوا كمسلمين في المجتمع وإنما يشاركوا كمواطنين، على المسلم أن يشارك في هذا المجتمع، عنده هوية ثقافية وهوية دينية وهوية اجتماعية، يشارك بها في المجتمع الذي يعيش فيه كغيره من فئات المجتمع، بل هو عضو فعال في المجتمع الذي يعيش فيه.

 

دعني أعيد السؤال بطريقة أو بصيغة أخرى، هل يحس المسلمون على الأقل في هذه المدينة أنهم ضحايا لخطاب الكراهية؟

الرد الأساسي لخطاب الكراهية ليس هو الرفض أو السب، هذا مما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعلمه لنا القرآن “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم”، الله تعالى حتى في حالة سب الآخر لك، على المسلم أن يكون رده وسطيا ورد بالقسط دون أن يسب الإنسان الآخر حتى لا يعادي المسلم من خلال ثقافته وهويته ودينه، ليواجه خطاب الإسلاموفوبيا بالشرح، بأن يكون الرد إيجابي في المجتمع.

وأنا أظن أن المسلم إذا شارك إيجابيا في المجتمع هذا سيغير كثيرا من هذا الخطاب بل وسيصحح بعض المفاهيم، لأن في بعض الحالات صراحة خطاب الإسلاموفوبيا، يمكن أن يوجد له تبرير من خلال ما يفعله للأسف بعض المسلمين.

 

 

 

 

إمام مسجد مدينة كومبيين الفرنسية: نحن في مدينتنا بمنأى

عن الإسلاموفوبيا والعنصرية التي تعم بعض المناطق في فرنسا

بداية لو تتفضلون بالحديث للقراء عن ظروف الاشتغال في المسجد والإقبال من طرف المسلمين عليه في هذه المدينة الفرنسية؟

بسم الله الرحمان الرحيم، أولا شكرا لكم على هذا التواصل مع الأئمة عموما، وبالنسبة لتجربتي المتواضعة في هذا المسجد أنا هنا تقريبا منذ ستة أشهر وأنا مقيم بهذا المسجد خادما له وإماما ومدرسا وخطيبا، قبل هذا كنت إماما في جنوب فرنسا، وشهادة للتاريخ فإن الفارق جوهري جدا بين العقلية المسلمة في الجنوب، وفي شمال فرنسا، من أفضال الله سبحانه وتعالى علي أن قيض لي في هذه المدينة التي أوجد فيها مجموعة من الكوادر من أطر ومهندسين وأطباء وتقنيين من الشباب الفرانكفوني، وبعض الشباب المغاربة الذين أتوا للدراسة واستقروا هنا يعمرون المسجد.

تجربتي من خلال هذه الستة أشهر الماضية في هذا المسجد، هي مزيج من التواصل، أولا مع ساكنة هذه المدينة من المسلمين، والمغاربة يشكلون تقريبا الأغلبية من ساكنة المدينة، واستقر فيها العمال المغاربة القدامى الذين كانوا يعملون في بعض مصانع السيارات، واجتهدوا في شراء موقع خارج المدينة، قبالة وادي “واز” المعروف، فأسسوا المسجد سنة 1995 الذي كان منزلا صغيرا، وفي سنة 2005 تم إعادة بناء هذا الموضع حتى أسس منه مسجد كبير جدا يؤمه من الناس قرابة 2000 في صلاة الجمعة وفي الأعياد قرابة 4000 أو 5000 مصلي.

البرامج المقررة في المسجد متنوعة، بعد مجيئي إلى المسجد وجدت فراغا في الجانب العلمي فحاولنا تأسيس معهد أسميناه معهد الإمام مالك، امتدادا للتجربة المالكية في المغرب وتبعا لثوابتها وتبعا لرغبة المصلين في المسجد فأغلبهم مالكية، ومراعاة لانتمائهم المذهبي باختلاف بلدانهم الإفريقية، وهذا المعهد الآن انخرط فيه قرابة 100 طالب، مسجلون في العلوم الشرعية، ومسجلون في وحدة القرآن الكريم كذلك.

هل هذا المعهد تابع للمسجد؟

نعم هو تابع للمسجد والإدارة هي التي أسسته، وإن شئت فهو نشاط من أنشطة مدرسة اللغة العربية والتربية الإسلامية المتوجه لفئة الكبار.

هل توجد برامج للأطفال ولصغار السن في هذا المعهد؟

عندنا برنامج في المعهد لتحفيظ كتاب الله عز وجل للناشئة وتقريبا عندنا أربع حصص مسائية من الخامسة إلى السادسة كل أسبوع إضافة إلى حصص العطل، أما فيما يخص اللغة العربية والتربية الإسلامية، فعدد الطلبة المنخرطين فيها قرابة 350 يدرسون اللغة العربية والتربية الإسلامية، أما نحن في المعهد فنعنى بشق القرآن وبشق العلوم الشرعية.

ذكرتم أن رواد المسجد في صلوات الجمعة والأعياد يصلون إلى 4000 مصل، كم يبلغ عدد الرواد بالنسبة للصلوات الخمس؟

بالنسبة للصلوات الخمس تقريبا في المتوسط يصل إلى 300 حتى 350، وهذا العدد مواظب على الصلوات.

يروج في الآونة الأخيرة خطاب العنصرية والتطرف والإسلاموفوبيا والإرهاب والكراهية إلى غير ذلك من هذه المفاهيم، ما محلكم وما موضعكم من هذه الخطابات؟

أولا بالنسبة لإشكال الإسلاموفوبيا والعنصرية التي تعم بعض المناطق في فرنسا، نحن في مدينتنا هذه بمنأى عن هذا المشكل، لأن المسلمين قد اندمجوا وفرضوا أنفسهم، تجد منهم الكوادر الذين يعملون في المستشفيات كالأطباء، وكمثال فهناك مستشفى قريب من المسجد أغلب الدكاترة العاملين فيه مسلمون، وهناك مصحة خاصة كذلك وأغلب العاملين فيها مسلمون، دكاترة وفي جميع التخصصات، عملنا أولا في الشق التوعوي، نحاول أن نخصص خطبا تهدف إلى بيان الموقف الشرعي الإسلامي من غير المسلم، مسألة التعايش، مسألة حسن الجوار، هذه الأمور كلها نحاول أن نمررها من خلال خطاباتنا في خطب الجمعة وفي الدروس الأسبوعية إلى المصلين.

كلمة أخيرة توجهونها سواء للمسلمين هنا في كومبيين أو غيرهم من المسلمين أو المغاربة؟

كلمتي أولا، هي أن هذا الدين لما نزل، نزل دينا عالميا وليس دينا عربيا، مع أنه أنزل كتابه بلسان عربي لكن الفكرة عالمية، لذلك المسلمون اليوم ينبغي عليهم باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار في قوله “وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا” فالأرض هنا قد استنبط منها بعض العلماء، كون المسلم أينما كان على وجه الأرض فتلك بلده، على المسلمين اليوم في أوروبا، أن يكونوا سباقين إلى التواصل، لا أن يستهدفوا بالتواصل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *