رصد لخطاب ومظاهر تكريم المرأة في الإعلام العمومي عن أي امرأة نتحدث وأي امرأة نكرم؟ مصطفى الحسناوي

الغائبات الكبيراتفي هذاالمشهد هن نساء المغرب الحقيقيات، ونساء المغرب الحقيقي، النساء الحقيقياتاللواتي يناضلن ويضحين ويخدمن مجتمعهن وبلادهن دونأنينتظرن جزاء ولا شكورا. المغرب الحقيقي وليس مغرب الواجهة المغشوشة.

أسبوع من الحشد والتجييش، لترسيخ صورة معينة عن المرأة، من خلال استضافة وتكريم وتسليط الضوء على فئة أو عينة، تقدم نفسها متحدثة باسم جميع النساء المغربيات، ممثلة لآمالهن ومتطلباتهن وأهدافهن وغاياتهن.
اجتهدت القنوات الرسمية على مدى ثمانية أيام في تمرير رسائل إيديولوجية وثقافية، وترسيخ مفاهيم قيمية وهوياتية وعقدية، تحت غطاء حقوق المرأة، وافتعال معارك وهمية تصور المرأة ضحية ممارسات ذكورية، تخوض معركة مصيرية مع الرجل.
المرأة المحتفى بها والمكرمة في عيدها العالمي، حسب البرامج المدروسة والمعروضة على قنوات الإعلام العمومي، هي المرأة المناضلة تحت مظلة الحداثة والعلمانية.
حيث استضافت بلاطوهات منابر الإعلام العمومي المرئي والمسموع، رئيسات الجمعيات النسائية والنقابات والهيئات النسائية داخل الأحزاب المسماة تقدمية، في الدرجة الأولى.
في المرتبة الثانية المطربات والراقصات وملكات الجمال، اللواتي يساهمن في ترسيخ الصورة المراد تكريسها عمن هي المرأة الفاعلة والمتقدمة والمقبولة والناجحة.
في المرتبة الثالثة يتم تأثيث المشهد ببعض الباحثات والمثقفات أو اللواتي حققن نجاحا في بعض المجالات خاصة تلك التي يمكن اعتبارها حكرا على الرجال.
هذا هو المشهد، وهؤلاء هن نساء المغرب، وهذه هي الصورة المراد ترسيخها، في الإعلام العمومي.
طبعا الغائبات الكبيرات، هن نساء المغرب الحقيقيات، ونساء المغرب الحقيقي، النساء الحقيقيات اللواتي يناضلن ويضحين ويخدمن مجتمعهن وبلادهن دون أن ينتظرن جزاء ولاشكورا. المغرب الحقيقي وليس مغرب الواجهة المغشوشة.
النساء صاحبات الأدوار الرئيسية والمهمة والحاسمة في تربية الأجيال وتماسك الأسرة والمجتمع، النساء اللواتي يعانين حقا قساوة الظروف وقهر السياسة، وآثار الفساد، شأنهن في ذلك شأن الرجال، الكل يعاني جراء سياسات لافرق بين رجل وامرأة.
لاحديث في تلك البرامج التي يتكلم فيها أصحابها باسمنا وباسم نساء مغرب لايعرفنه ولا يعرفن نساءه، لاحديث عن المرأة القروية، عن العاملات الساعيات وراء قوت يومهن، اللواتي تعانين إلي جانب الرجل من الظروف القاهرة، نتيجة السياسات الفاشلة، والفساد المستشري، والاستبداد الضارب بأطنابه، واللاعدالة المتفشية.
لا حديث عن المرأة الواعظة والعالمة والمرشدة والداعية، القائمة بأدوار ريادية، في حفظ الأمن الروحي والعقدي.
لا حديث عن المرأة المجاهدة والمقاومة والوطنية، التي أخرجت المستعمر، وفضحت عملاءه.
لا حديث عن المرأة ربة البيت، صانعة الأجيال، وحارسة حدود الأسرة.
لا حديث عن المرأة أم وزوجة وأخت وابنة المعتقل في السجون، سواء كان معتقل رأي أو معتقل حق عام، وما تكابده وماتعانيه من تنقل وإهانة ومصاريف وتكاليف مادية ونفسية ومعنوية، تعاني لوحدها في صمت.
المرأة المراد تسويقها لنا، والمراد ترسيخ صورتها كبطلة، هي تلك التي تقص شعرها قصة ذكورية، وتضع أحمر شفاه، وتبدأ بسب الرجل على المنابر، وتجعل معركتها المصيرية معه، وتدعو للثورة عليه أبا وأخا وزوجا وابنا.
إن المرأة المناضلة التي تجاهلت وسائل إعلامنا العمومي الحديث عنها، أو إحضارها للحديث عن نفسها، وتسليط الضوء عن إنجازاتها ومعاناتها ومتطلباتها ومشاكلها.
هي تلك التي تناضل من أجل قوت عائلتها وتماسك بيتها، سواء بمفردها أو إلى جانب زوجها.
هي تلك الحريصة على تربية أبنائها تربية حسنة.
هي تلك الحريصة والمتمسكة بهوية بلدها المتشبثة بقيمها ودينها، المتفاعلة مع قضايا أمتها وهموم شعبها.
هي تلك التي تناضل في سبيل ألا تكتسح قيم الغرب مجتمعها وتمحو ثقافتها وتذهب بخصوصيتها.
المرأة المناضلة هي التي تتصدى لكل برامج التغريب ومسلسلات العهر ومهرجانات المسخ، من أجل ألا تجرف ما رسخته في أبنائها، فتغسل دماغهم وتمسخ فطرتهم وتميع أخلاقهم، فهي كالحارس داخل البيت، يحرس حدود الوطن والدين والهوية والقيم والأخلاق، تراقب كل صغيرة وكبيرة في تصرفات أبنائها رفقة زوجها.
هي تلك الفطنة المتيقظة المنتبهة لما يخبئه كل شعار براق يتاجر بقضيتها، يركب على حقوقها، الحذرة من كل جهة دخيلة متسترة بخطاب الحقوق وعينها على أهداف أخرى، فتجعل المرأة مطية، لأهداف سياسية أو عقدية أو إيديولوجية.
هذه هي المرأة التي غيبها الإعلام العمومي، المرأة المغربية الأصيلة بلباسها بفكرها بثقافتها بهمومها بمتطلباتها.
أختم بالإشارة إلى أن المتدخلين والمتحدثين في هذه المناسبة، عن موضوع المرأة أصناف وأنواع:
– منهم من يجعل من موضوع المرأة حصان طروادة لتحقيق مكاسب سياسية وإيديولوجية، وهي قلة لا تمثل غير نفسها، ليس لها امتداد في المجتمع ولا حضور في الشارع، لكنها متنفذة إعلاميا مستفيدة ماديا.
– ومنهم من لايرى في المناسبة إلا طابعها الاحتفالي، فيتعامل مع الموضوع بسطحية وسذاجة.
– ومنهم من يتناول الموضوع بمقاربة هوياتية، وهؤلاء قلة لايكاد صوتها يسمع.
ووسط هذه الأصوات والتجاذبات، يبقى الغائب الحقيقي، هو الحقوق والمعاناة والمشاكل الحقيقية للمرأة، المرأة القروية والمرأة العاملة والمرأة الأرملة والمطلقة والمستغلة جنسيا ونساء دور الصفيح، والمرأة المنسلخة عن هويتها المتنكرة لثقافتها، ضحية الشعارات أو الإغراءات البراقة.
يغيب الحديث عن الأسباب الحقيقية بعيدا عن تسييس النقاش وأدلجته، يغيب الحديث عن وضع حلول جذرية وعاجلة، لمعاناة المرأة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *