استجواب أسبوعية السبيل مع الدكتور محمد وراضي مجاز في الفلسفة وحامل لشهادة علم الاجتماع الديني – متخرج من دار الحديث الحسنية-

1- كشف موقع الأمم المتحدة في شهر أبريل الماضي عن رفع المغرب لتحفظاته بخصوص المادتين 9 و16 من اتفاقية سيداو.

وصدر بتاريخ 2 غشت 2011 بالجريدة الرسمية ظهير شريف متعلق بالإعلان عن رفع التحفظات المغربية المضمنة في البندين 1 و2 من الفقرة ب من وثائق انضمام المملكة المغربية إلى اتفاقيات القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979.
والملفت للنظر في الموضوع أن الرسالة التي وجهتها الحكومة إلى الأمم المتحدة في أبريل المنصرم اتسمت بالسرية التامة، ولم تحدد أية بيانات أو تصريحات تفسيرية من شأنها تحصين وضعية المرأة المغربية.
ألا يشكل رفع التحفظات عن المادتين 9 و16 تحديا خطيرا لأحكام الشريعة الإسلامية وما نص عليه المذهب المالكي في هذا المجال؟

تتأسس الإجابة عن سؤالكم الأول رغم طوله على ثلاث لحظات تاريخية:
أولا: لحظة مشروع خططه الاستعمار قبيل توقيع عقد الحماية. ثم بادر إلى تطبيقه على الأرض، وإن لم يكن بعد قد أخضع كل التراب الوطني لسيطرته. إنه باختصار، تغريب المغاربة من خلال العمل على مسخه لهويتهم الدينية واللغوية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والسلوكية بالكامل جهد مستطاعه.
والتغريب هنا بمفهومه العميق، هو قطع حبل الصرة الرابط بين حاضرنا الماثل وبين ماضينا المطل علينا عبر مختلف أنواع تراثنا وثقافتنا وحضارتنا المكتوبة والمتداولة شفاهيا على كل لسان. إلى حد تنكرنا لأجدادنا، ولكل موروث انتهى إلينا من هؤلاء الأجداد، أو من هؤلاء الأسلاف بعبارة أدق.
ثانيا: لحظة تلقين وتدريب وتسليح من يريدهم الدخيل المستعمر امتدادا له في إنجاز مخططه، طال به الأمد كمستعمر، أو اضطر إلى المغادرة كما اضطر إليها سابقوه من بني جنسه مكرهين لا طائعين. إنهم الرومان والوندال والبزنطيون.
ثالثا: لحظة تسلم تلامذة المستعمر النجباء لمشعل إدارة شؤون بلدنا على أساس من فلسفته ومن مخططاته. وهذه اللحظة الثالثة لا تزال حتى الآن قائمة. وهي التي أفرزت بيننا فئتين: فئة تعمل على ضخ دماء جديدة في الشرايين التي تشدنا إلى هويتنا المهزوزة. وفئة إلحاحها على وأد الدين إلحاح مفضوح فاشل! دون الالتفات إلى التلوينات والتشكيلات عند الأولى (= سلفية -صوفية – شبه علمانية أو إسلاماوية). وعند الثانية (= ليبرالاوية من لوى يلوي! واشتراكاوية من كوى يكوي! وشيوعاوية من عوى يعوي!).
إنما ما الذي حصل؟
فشل المخطط الاستعماري إلى حد بعيد بفضل “رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”! وفشل بالتالي ولا يزال يفشل ذلك المجهود المبذول علمانيا على الصعيد المحلي والدولي للوصول بالمخطط الاستعماري إلى نهايته! وفورة المد الإسلامي من منابع ثرة صافية خير دليل على ما نجم عنه تحليلنا للوقائع المتحرك النابض بالحيوية.
ولا محل هنا -بعد ما أوجزناه- للتساؤل عما إذا كان رفع التحفظات عن المادتين: التاسعة والسادسة عشرة من اتفاقية “سيداو” تحديا لأحكام الشريعة الإسلامية وما نص عليه المذهب المالكي في مجال “مدونة الأحوال الشخصية” بالخصوص.
يعني بكل بساطة أن من قاوموا المخطط الاستعماري وفلوله من الغيورين على الدين حتى أسقطوه بنسبة كبيرة، سوف يواصل أسلافهم مقاومته حتى يسقطوه بالاتحاد والعزم، والصمود والتحدي، ورفض المفروض عليهم بقوة السلطة من الأعلى دون ما اختيار منهم ودون ما موافقة!
فمالك بالنسبة للدين لا يشكل غير طرف من أطراف المعادلة! إذ المستهدف بالتشويه والتحوير والتطويع والإرغام على التركيع، هو الشريعة بكاملها؛ لا رجل واحد له فيها آراء متميزة صلدة، إلى حد أن ملايين من المسلمين في كل دول العالم ارتضتها وأصرت على العمل بها دون غيرها. وعليه فإن الخطر الذي يهدد آراء مالك أو مذهبه، هو نفسه الخطر الذي يهدد الدين الإسلامي الحنيف في مجمله.

س 2: بالموازاة مع ذلك صادقت جمعيات حقوقية علمانية على الإجراء، ووصفته بأنه سلوك ينسجم تماما مع روح الدستور الجديد وسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، وأكدت كيف أن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئ.
ج 2: إن الجمعيات الحقوقية العلمانية -كما سميتموها في سؤالكم– تنتمي إلى اللحظة التاريخية الثالثة. وإذا ظهر المعنى فلا فائدة في التكرار!
أما إن رفعت الحكومة المغربية تحفظاتها عن البندين: الأول والثاني من اتفاقية 18 ديسمبر 1979م. فلأنها لم تنبثق من صميم الشعب! ولم تنبثق من صميمه أية حكومة سابقة منذ رحيل الاستعمار عنا حتى الآن؟ دون أن نغتر بالخطب الديماغوجية التي تخبرنا بأن مرجعية حزب رئيس الحكومة الحالي إسلامية! وأن زعيم هذا الحزب الذي ينتمي إليه ( = علال الفاسي) سلفي حتى النخاع! غير أن سلفيته لم تمنع أخلافه في حزبه الذي طالما كان زعيما له حيا وميتا، من الإساءة الصريحة إلى الدين في واضحة النهار! ولو أن تمرير قبول الحكومة المغربية لكافة محتويات اتفاقية “سيداو” تم تحت جنح الظلام؟؟؟
ونضيف إلى أن الحكومات ليست هي الشعوب؟
فالأولى زائلة، والثانية باقية! وأن روح الدستور الجديد -إن كانت له روح- لا تعدو أن تكون مصطنعة مفترضة مفروضة! وأن دساتيرنا منذ بداية الستينات دساتير ممنوحة! وكل ممنوح صدقة! وللمانح وحده حرية تحديد القدر الذي يريد التصدق به على المتكففين. والمستقبل لصدقات المتصدقين لا يفرض على من يكرمونه ما ترنو إليه نفسه! مع أن ما تصدق به عليه المتصدقون فيما نحن بصدده، مجرد حق من حقوقه التي لم يحصل عليها كلها بعد! وأنه لا يزال يناضل وسوف يناضل إلى أن يحصل عليها طال الزمن أم قصر!
ثم نضيف بأن المواثيق الدولية، لا تسمو “على التشريعات الوطنية”. هذا إن قصد بها الأحكام الشرعية العملية. وإلا فلا تشريعات تسمو على شرع الله عز وجل. ومن ادعى مثل هذا الادعاء، كان إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان!
فلدينا لا شك تمييز بين ثلاثة مواقف من الدين في الوقت الحاضر: موقف يتشبث أصحابه بضرورة تطبيق الشريعة في كل مجالات الحياة، لأنها أجدر بأن تطبق فيها. وموقف يعترف أصحابه بوجاهة أحكام الشريعة وصوابيتها، لكنهم لا يرون تطبيقها في الظروف الحالية. وموقف لا يعترف أصحابه بوجاهة الدين على الإطلاق. وإنما يرون فيه مجرد حاجز عائق في وجه العصرنة والحداثة والتقدم ينتصب!

3- كشفت أرقام صادمة أن نصف مليون رضيع تم التخلي عنهم في المغرب في ظرف ست سنوات فقط، وسجل بالدار البيضاء وحدها ولادة 27.199 طفلا غير شرعي من أصل 500.000 طفل ما بين سنة 2003 و2009.
انطلاقا من هذا المعطى الخطير: ألا يمثل رفع التحفظات وسيلة قانونية جديدة للزج بالأسرة المغربية في نزاعات مادية عقيمة ومخالفات شرعية عديدة؛ كالإجهاض مثلا؟
أعداد هائلة من أبناء الزنا أمامنا بصريح العبارة. هذا دون دخول اتفاقية “سيداو” بكاملها في حيز التطبيق. والحال أن منطق الدين لو جرى تطبيقه لما وصل عدد الأطفال اللاشرعيين في بحر ست سنوات إلى 500.000 ألف لقيط! بغض النظر عن الاهتزاز الأسري المتوقع بتفعيل الاتفاقية المشار إليها أعلاه في المقبل من الأيام.
ولمعالجة هذا الإشكال، تطرح التساؤلات والتوضيحات الآتية:
ما الأفضل: تعدد الزوجات؟ أم تعدد الأزواج إلى حد يصعب عنده حصر عدد أولاد الدعارة بالمرة؟
أو ليست كثرتهم نتيجة لنوع من أنواع الزواج يعود إلى العصر الجاهلي هو زواج الرهط؟
نقصد مجموعة من ممارسي الفاحشة الذين يطئون أنثى واحدة، وعندما تضع حملها تجمع المساهمين في وطئها كي تختار من بينهم من تريده أبا لمولودها برضى الجميع وباتفاقه؟ ووضع بقرة رهن إشارة من يريد صاحبها من العجول كي تحمل منه (ونحن في عالم الحيوان) أو ليس هو بالذات مسمى زواج الاستبضاع قبل ظهور الإسلام المنقذ المخلص من الضلال والظلام؟
أو لم يكن حتى عقلاء العصر الجاهلي يبعثون بزوجاتهم إلى فحل بشري قوي كي يستبضعن به، بحيث يرث المولود خصائص والده الذي زنا بوالدته! والتي هي في الوقت ذاته حليلة جاره أو حليلة واحد من أصدقائه أو معارفه أو حتى حليلة واحد يجهله؟
كل هذه الفواحش التي تمارس الآن في مجتمعنا، والتي سوف تتضاعف ممارستها بتطبيق اتفاقية “سيداو” على أرض الواقع. كان الإسلام قد أغلق منذ خمسة عشر قرنا مختلف أبوابها أو مداخلها! ثم يظهر من ضمن المسلمين بيننا في بلدنا من يساهم في فتحها، أو في تشريعها من باب المعنى اللغوي، أو من باب التقنين الفقهي أو القانوني؟
ديننا الحنيف -إن جهله تلامذة الاستعمار عندنا- حرم كل ما يقرب المسافة بين الإنسان والحيوان بخصوص الدوافع الجنسية وإشباعها!
جاء في الكتاب المبين “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ” إلى قوله تعالى: “وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ”.
واتفاقية “سيداو” تريد تحويل المغاربة كبشر ذوي كرامة إلى مجرد دواب متوحشة! إذ من باب المساواة المطلقة بين الرجال والنساء! ومن باب الحرية المطلقة بينهما أن يذهب الطرفان كلاهما إلى أبعد مدى في التمتع بمساواتهما وبحرياتهما وباستقلالهما في اتخاذ مختلف القرارات الشخصية.
فللمرأة أن تقدم نفسها لمن ترغب في أن يواقعها؟
وللرجل أن يختار من بين عشيقاته من يرغب في أن تضاجعه على نفس سرير زوجته؟
ولأي رجل حق ممارسة الجنس مع أمه أو أخته أو زوجة أبيه أو خالتهَ دون ما أي حرج يشعر به وهو يغازل قريباته! ودون ما خجل يشعر به وهو يقضي ليلته مع أخت من أخواته! إلى آخر ما هنالك من تفسخ يبدو أن اتفاقية “سيداو” لا تستهدف غيره! مساهمة منها في الدفع بالجنس البشري إلى مستوى الدوابية! بينما يتضح للعيان ما سوف تؤول إليه أحوال الأسر بعد حين من تطبيق الاتفاقية المهينة المشؤومة!
فالمواجهات بين الزوجين والأبناء والبنات داخلها سوف تتخذ نفس أشكال التهارش داخل أي مجتمع حيواني كمجتمع الكلاب والأسود والضباع! إلى الحد الذي يستدعي مواصلة إحداث مزيد من المحاكم والمستشفيات والسجون! مما يعني ضرورة توفير مزيد من الأموال التي علينا استخلاصها ضرائبيا من العمليات الاقتصادية والمالية -على حساب إفقار الشعب- لإنجاز ما تريد منا اتفاقية “سيداو” ومؤيدوها من حكوماتنا اللاشعبية المجرورة إنجازه!

4- يؤاخذ العديد من المتتبعين على المجلس العلمي الأعلى وعلى المؤسسة الدينية الرسمية غيابها عن الساحة؛ وعدم تسجيلها للموقف الشرعي فيما تشهده الساحة الوطنية من حراك.
فرفع التحفظات عن المادة 9 و16 لا يعده المتتبعون إلا زوبعة في فنجان، بل يعتبرونه قرارا مصادما لأحكام الشريعة الإسلامية.
فكيف تقيمون موقف المؤسسة الدينية في هذا المجال؟
وما هي الآليات التي ترونها مناسبة لاستعادة هذه المؤسسة ثقة الشعب المغربي؟
كان أهل الحل والعقد -وفي طليعتهم العلماء- قبل تعرض بلدنا للغزو الاستعماري، هم الممثلون المتحدثون باسم الأمة. فبيعة أي حاكم لا تعد مشروعة أو شرعية، إلا إذا حملت مكتوبة بصمات كبار علماء المغرب. حتى ولو وصل الحاكم إلى السلطة عن طريق الغصب والقوة.
فهذا الحاكم ملزم بأخذ رأي العلماء كي يقدم مستقبلا على اتخاذ قرارات حاسمة في حالتي الحرب والسلم. مما يدل على أن العلماء كانوا يتمتعون بحريتهم مستقلين غير خاضعين لممثلي السلطات القائمة. ولنا في التاريخ نماذج توضح كيف أنهم لم يصبحوا قط مؤسسة رسمية تابعة للدولة. بحيث إن هذه تستصدر منها ما تريد إضفاء المشروعية عليه كمواقف وكقرارات وكمراسيم.
إلا أن الاستعمار -في سياق مسخ هويتنا- جعل من العلماء تابعين خانعين. حتى وقد ظهرت مجموعة منهم قاومت مخططاته إلى حد أنها تزعمت قيام الحركة الوطنية من جهة. وساهمت في إفشال مسعى الاستعمار الخبيث من جهة ثانية. لكنه في ظل الاستقلال، أبعد العلماء عن القيام بدورهم التاريخي والديني كاملا غير منقوص! إما خوفا منهم! وإما طمعا منهم في الحصول على المتاع الدنيوي الزائل، ولو على حساب خيانتهم للأمانة الملقاة على عاتقهم بصريح نصوص قرآنية وحديثية. مما دفع بأخينا الفاضل: عبد اللطيف بن عبد الغني جسوس في مطلع عام 1981م إلى إصدار كتابه القيم “أزمة أمانة”.
وهذا ما يفيد بأن تقييم موقف المؤسسة الدينية الرسمية بخصوص رفع التحفظ عن المادتين: 9 و16 من اتفاقية “سيداو” هو نفسه تقييم الحكومة المتمثل في القبول به دون ما رجوع إلى الشعب للأخذ برأيه! أو دون ما رجوع -على الأقل- إلى ممثليه بالمجلسين!
أما المؤسسة الدينية الرسمية فلا يتم الرجوع إليها إلا لإضفاء الشرعية على قرارات تم اتخاذها قبل أن تلقى إليها لوضع طابعها المبارك عليها كجواز مرور لم يكن له في الحقيقة أي مبرر يذكر!!!
وبما أن المؤسسة الدينية الرسمية تابعة مجرورة، لا مستقلة حرة فاعلة. فإن الأمة لا تعير لمواقفها أي اهتمام! مما يفرض تأسيس مؤسسة موازية للعلماء الأحرار المستقلين الرافضين للتبعية، كي ينسجموا مع الشعب في تطلعاته وطموحاته إلى التغيير الذي لا بد أنه آت في القريب العاجل، أحب من أحب أو كره من كره؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *