عرف كل من الشهابي وحبنكة الاستعمار وفقا لما جاء في المعجم الوسيط بأنه استيلاء دولة أو شعب على دولة أخرى وشعب آخر لنهب ثرواته وتسخير طاقات أفراده والعمل على استثمار مرافقه المختلفة. ([1])
وهذا التعريف يشمل أنواعا مختلفة من الاستعمار لا تختلف عن بعضها إلا بالأسماء وبعض الأشكال، فمن أشكال الاستعمار أن تضع دولة ما أخرى تحت حمايتها وإشرافها وتسلبها حريتها بقدر ما يتناسب مع قوة هذه الدولة وضعف تلك، وفي الأغلب يكون للدولة المحمية شبه سيادة داخلية يمارسها حكام وطنيون تديرهم الدولة المستعمرة من خلف ستار.
ومن أمثلة هذا الشكل من الاستعمار ما فعلته فرنسا في المغرب بفرض معاهدة الحماية 30/3/1912م وفي تونس كذلك في 12/5/1881م، وما فعله الإنجليز في مصر خلال احتلالهم لها بين عام 1914-1922م.
وبدراسة الحملة الفرنسية وتحليل تاريخها توصل الأستاذ الكبير محمود شاكر إلى أمر هام مفاده أن: الاستعمار يتحرك باتجاه البلاد الإسلامية ليس طمعاً في ثرواتها فحسب، وليس بهدف تبشيرها فقط، بل إنه يقرأ مسيرة الأمة الإسلامية من خلال الدراسات الاستشراقية الغربية، فإذا ما وجد محاولة جادة للنهوض بهذه الأمة من كبوتها تحرك لوأد هذا المولود قبل أن يكبر ويعيد ما كان قبل قرون.
رؤية تاريخية للاستعمار
بدأ الاستعمار الغربي للعالم مع بداية عصور النهضة في أوربا حيث استفاقت أوربا على وقع طبول الإصلاح الديني والسياسي في القرن الخامس والسادس عشر.
ومنذ أفاقت أوربا بدأت تحركها للإطباق على العالم الإسلامي، فانتشرت المراكب الاستكشافية تجوب البحار بحثاً عن تحقيق أهداف الاستعمار المختلفة الدينية والسياسية والاقتصادية.
وفي عام 1499م توصل فاسكودي جاما إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فوصل البرتغاليون إلى الشواطئ الهندية بعيداً عن المرور في الأراضي الواقعة في سلطة الخلافة العثمانية.
وشرع البرتغاليون يؤسسون مستعمرات ومراكز تجارية في أماكن مختلفة من السواحل التي وصلوا إليها، ولم يكد النصف الأول من القرن السادس عشر ينقضي حتى كان البرتغاليون قد أحكموا السيطرة على شواطئ شرق أفريقيا وغربها إضافة إلى شواطئ الخليج وفارس والهند. ([2])
وفي عام 1600م أنشئت بريطانيا أول جهاز استعماري لها تحت مسمى شركة الهند الشرقية البريطانية، ومثله صنعت فرنسا عام 1664م فأنشئت ما أسمته بشركة الهند الشرقية الفرنسية، وبدأ الصراع والتنافس بين الدولتين، وانتهى بانتصار الإنجليز عام (1171هـ/1775م) وخروج فرنسا من الهند والصين.
وفي عام (1213هـ/1798م) وصل نابليون يقود الحملة الفرنسية على مصر ثم حاول السيطرة على بلاد الشام، فغادر وهو يحمل أدراج الخيبة لكثرة من قتل من جنوده هناك، ثم ما لبث أن عاد إلى فرنسا ولحقته جيوشه عام 1801م.
وفي عام 1827م أعلن الملك شارل العاشر اعتزام فرنسا إنشاء مستعمرة ذات شأن في شمال أفريقيا، وزحفت الجيوش الفرنسية لاحتلال الجزائر عام 1830م، واستتب الوضع لهم عام 1857م وهو نفس العام الذي قضت فيه بريطانيا على الإمارة الإسلامية المنغولية في الهند، وقد ألحقت فرنسا الجزائر بها عام 1881م، وهي نفس السنة التي أعلنت فرنسا وضعها تونس تحت الحماية الفرنسية بموجب ميثاق باردو، ثم السنغال ومدغشقر عام 1882م، وفي عام 1887م وقع مؤتمر برلين لاقتسام مواقع النفوذ في الوطن العربي. وتوالى بعد ذلك سقوط البلاد العربية والإسلامية في قبضة الاستعمار.
فسيطر الفرنسيون على المغرب سنة 1912م، وعلى سورية سنة 1920م. وأما الإيطاليون فاحتلوا الصومال وأريتريا عام 1887م، وزحفت إيطاليا لاحتلال الساحل الليبي عام 1914م، وأكملت الاحتلال عام 1914م. فيما احتلت انجلترا مصر ووضعتها تحت الحماية عام 1882م، وكانت قد احتلت بلاد البنغال عام 1757م، والبنجاب عام 1849م، ثم احتلت نيجيريا عام 1851م. وفي عام 1898م احتلت بريطانيا السودان ثم العراق 1919م، ثم الأردن عام 1920م.
وفي المشرق الإسلامي انقض الروس الأرثوذوكس على بلاد المسلمين فأخذوا ما يحاذيهم منها، وضموه إلى بلادهم، ففي 1670م دخل الروس بلاد الأورال، وأحكموا السيطرة على مسلميها، وفي عام 1859م ضمت روسيا طشقند، ثم القوقاز عام 1864م، ثم بخارى عام 1882م، فيما دخلت بلاد التركستان تحت سيطرة الروس عام 1884م. ([3])
وقد استمرت السيطرة الروسية على بعض هذه البلاد فيما نجت بلاد أخرى، وشكلت حكومات مستقلة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990م.
فيما تحررت البلاد الإسلامية جملة من الاستعمار الفرنسي والإنجليزي والإيطالي (العسكري) في أواسط القرن العشرين. (انظر: الاستعمار في العصر الحديث ودوافعه الدينية، د.منقذ السقار).
———————–
([1]) انظر : المعجم الوسيط (2/627)، أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص:51، محاضرات في الاستعمار، مصطفى الشهابي، ص:23.
([2]) انظر : أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص (165- 167)، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار، محمد البهي، ص29-30.
([3]) انظر : التبشير والاستعمار في البلاد العربية، مصطفى خالدي وعمر فروخ، ص:148، رسالة الطريق إلى ثقافتنا، محمود شاكر.