تستند اتفاقية (سيداو) على عدة مفاهيم ومنطلقات أساسية تشكل خلفيتها الفلسفية؛ وأول هذه المفاهيم اعتبار المرأة مخلوقاً متفرداً بذاته وليس كائناً اجتماعياً له دور من خلال الأسرة، وأن المساواة بين المرأة والرجل هي مساواة مطلقة؛ بمعنى التماثل فيما بينهما واستبعاد أي فروق فسيولوجية أو بيولوجية تميز كلاً منهما عن الآخر، وأن الوصول لتلك المساواة يتطلب صراعاً دائماً ضد الرجال الذين يمثلون الخطاب الذكوري الأبوي، وإصرار الاتفاقية على تكريس قيم الفردية والتماثل التام بين المرأة والرجل، والمساواة المطلقة في الحقوق والواجبات.
والصراع بين الرجال والنساء إنما يعني دفع المرأة للتمرد على عقيدتها وثقافتها وخصوصيتها، وإشعال الفتنة داخل كل أسرة بما يؤدي لتفكيك تلك المؤسسة التي تشكل اللبنة الأساسية لتماسك المجتمعات وبقائها.
وتتضمن الاتفاقية بنوداً تحقق فرض الفلسفة الغربية من خلال ثلاث مواد هي المادة رقم (1) ورقم (2)، ورقم (16)، فعلى سبيل المثال تقول المادة رقم (2) بضرورة تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتير الدول الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، كما تنص على اتخاذ التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.
وأخطر هذه المواد هي المادة رقم (16) التي تنص على ضرورة اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص تضمن -على أساس تساوي الرجل والمرأة- نفس الحق في عقد الزواج ونفس الحق في اختيار الزوج ونفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، وفيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم!
وهذه المادة التي تعطي للرجل والمرأة الحق نفسه في عقد الزواج وفي أثنائه وعند فسخه، تتعارض مع قاعدة ولي الزوجة عند عقد الزواج، ومع المهر، وقوامة الرجل على المرأة داخل الأسرة، وتعدد الزوجات، ومنع زواج المسلمة من الرجل غير المسلم، وأحكام الطلاق والعدة، وعدة الوفاة، وحضانة الأولاد، والغريب أن الاتفاقية تحظر على الدول الموقعة عليها أن تتحفَّظ على تلك المادة! وحيث يتناقض ذلك مع كتاب الأمم المتحدة حول (التمييز ضد المرأة) الذي يعطي للدول حق التحفظ على بعض بنود الاتفاقية. وإلى جانب أنها تعد تدخلاً سافراً في سيادة الدولة على قوانينها ودساتيرها؛ فهي تفرض عليها تغيير دساتيرها وقوانينها التفصيلية بما يتفق مع المفاهيم التي تعرفها (السيداو) حتى ولو تعارضت مع القيم والعقائد والخصوصيات الثقافية للشعوب؛ باعتبار (السيداو) هي المرجعية القانونية لكل دساتير الدول وليس الدين أو الثقافة الوطنية.
وتفتح هذه المادة الباب على مصراعيه أمام احتمال اتخاذ الأمم المتحدة مستقبلاً إجراءات لاستخدام القوة أو فرض العقوبات على أي دولة تتضمن تشريعاتها أو قوانين محاكمها المحلية أي تمييز ضد المرأة وفقاً للمرجعية الدولية في هذا المجال، وهي اتفاقية (السيداو) التي تريد الأمم المتحدة أن تكون لها السلطة الأعلى على أي سلطة تشريعية محلية في أي دولة، وأنها (أي الاتفاقية) ناسخة للقوانين المحلية. والاتفاقية في مجموعها تحارب الخطأ المزعوم بالوقوع في الخطأ نفسه؛ فهي في سعيها للمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة متناسية الفروق التي تميز كل منهما عن الآخر لا ترى مانعاً من الوقوع في خطأ التمييز ضد الرجل؛ أي إعطاء المرأة حقوقاً أكثر مما يحصل عليه الرجل في المجال نفسه، وينسى من وضعوا بنود الاتفاقية أن المساواة بين الجنسين في الخصائص والأدوار الاجتماعية هو الظلم بعينه، وأن المطلوب هو العدل بين الطرفين.