الوزير التوفيق وقاعدة لا تعترض فتنطرد مصطفى محمد الحسناوي

كان من الممكن أن تلعب خطبة الجمعة بما لها من تأثير، دورا مهما في تثقيف وتوعية وتوجيه الشعب وخدمة قضايا الأمة، لو تصدى لها العلماء، وترك الصادقون والمخلصون وخلي بينهم وبين الناس، في التوجيه والتعليم والخطابة، دون تدخل أو إملاءات لخدمة مشاريع وأجندات أخرى. والترويج لرؤية أحادية وقراءة خاصة وإلزام الناس بها.
بعد ما سمي بالحرب على الإرهاب، دخلت أمريكا على الخط، فشنت حربا على الخطباء والأئمة الذين يشوشون على سياستها وينتقدونها ويحذرون الأمة من مخططاتها ومؤامراتها، ثم اختار المغرب في إطار سياسة معينة أن ينتهج خطة لإخضاع الشأن الديني، ويجعله خادما للمشروع الحداثي العلماني الذي يدبر أمور السياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام، فمنع الأئمة والخطباء من انتقاد أو حتى إبداء آرائهم بخصوص القضايا الوطنية والدولية، ومشاكل الناس وهمومهم، ومشاريع التغريب والإفساد، فكل ذلك لا يعني الخطيب في شيء، ولا يجوز له أن يحوم حوله، ومن اعترض انطرد كما تقول القاعدة الصوفية الشهيرة.
قضية توقيف الأئمة والخطباء من مزاولة مهامهم، وطردهم من عملهم، ليست مجرد كلام للردع والقمع والتخويف، بل هي واقع مرير تلظى بناره خطباء وأئمة، اختاروا أن يتحملوا المسؤولية التي حملهم إياها الله، في التبيين للناس امتثالا لقوله تعالى: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} وتحذيرهم من السلوكيات المنحرفة، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان الطرد بحجة مخالفة سياسة البلاد مصيرهم المحتوم، ولأن عدد المطرودين وقصصهم لا يسعها هذا الحيز، نكتفي بأمثلة على هذا الظلم المسلط على علمائنا وأئمتنا وخطبائنا.
فقد تعرض رئيس المجلس العلمي بالدار البيضاء، وخطيب مسجد الحسن الثاني سابقا، السيد رضوان بنشقرون بعد الخطبة التي ألقاها يوم 25 يونيو 2004، وتناول فيها قضية العري في الشواطئ، تعرض إلى حملة حقيرة ودنيئة، تولى كبرها سعيد لكحل وعدة منابر إعلامية تجاوزت حدودها واختصاصاتها، ثم بعد أن أبدى رأيه في مهرجان العري والانحلال والفساد مهرجان موازين، تم توقيفه من مهامه وطرده من وظيفته سنة 2010، واستمرت نفس المنابر تنفث سمها الزعاف، دون حسيب ولا رقيب، ودون أن يطالها منع ولا حظر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وتعرض أيضا الشيخ عبد الله نهاري خطيب مدينة وجدة عدة مرات للتوقيف، بسبب مواقفه وآرائه، وقد نشط في الآونة الأخيرة في مجال الدعوة والتواصل مع الناس وانتقاد كثير من مظاهر الفساد التي عمت البلاد، والتحذير منها بما يمليه عليه دينه وواجبه الشرعي في بيان الحق، لكن ذلك رأت فيه السلطات المعنية تهديدا للمشروع الحداثي العلماني الذي اختارت المضي فيه قدما ضدا على ثوابت البلاد، فكان أن تم عزل السيد نهاري، وفاء لسياسة من اعترض انطرد، ولم يكن حظ نهاري بأحسن من سابقه السيد بن شقرون، مع المنابر العلمانية، فاستقوت بالسلطات، ورقصت طربا بتحيزها، حتى تطاول الأذناب على علمائنا، وسخروا أقلامهم ومنابرهم للنيل منهم، فكتب أحد نكراتهم مقالا هزيلا على صفحات جريدة “الأحداث” بعنوان “سكيتشات النهاري” كال له من السباب والشتائم، ما يضيق له الصدر، من زمن يمنع فيه العلماء والخطباء من الصدع بالحق، وتطلق أقلام وألسنة الرويبضة ويجرؤون دون حسيب ولا رقيب على ديننا ومقدساتنا وأئمتنا.
فكيف يمنع الخطباء من منابرهم بحجة أنهم يؤثرون في الناس ويوجهونهم؟
ولا يمنع العلمانيون من منابرهم رغم أنهم يؤثرون في الناس ويوجهونهم أيضا؟!
فبأي ميزان تزن السلطات المعنية وبأي مكيال تكيل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *