دفاعا عن لغتنا العربية.. عيسى الراشدي

أي حضارة في العالم لا بد لها أن تبنى على أمرين هامين لا مناص لها عنهما: اللغة والثقافة.
فاللغة هي السبيل الوحيد لتحصيل الثقافة، والثقافة تدل بمدلولها العام على مختلف العلوم سواء الشرعية منها أو الإنسانية أو العلمية البحتة، ومن ذلك يمكننا القول إن اللغة العربية لها مركزيتها ضمن المنظومة الإصلاحية الإسلامية، فلا يمكن لحضارة المسلمين أن تقوم وأن يمكَّن لها في الأرض بتجاوز هذه اللغة المشرفة أو بإهمالها وتضييعها.
ولا أجد مبررا لكل الدعوات التي أصبحت تنتشر خفيا بين عموم المثقفين، والتي تنقص من شأن اللغة العربية أو تلك التي تحط من قيمتها، وأدل شيء على ذلك الدعوات الفرانكوفونية التي يروِّج لها بنو جلدتنا والناطقون بألسنتنا!! من العلمانيين المغرضين الذين يحاربون كل شيء له صلة أو علاقة بالإسلام وأهله من قريب أو بعيد.
يحاربون الثقافة الإسلامية بمختلف مكوناتها وروافدها وخصائصها ومميزاتها، ويشككون في ثوابتها الراسخة التي توافق العقل الصريح ومنطلق الفطرة الإنسانية التي فطر الله تعالى عليها البشر جميعا، وتحاول جاهدة تقويض صروح الدعوة الإسلامية وكبحها عن الانتشار والاتساع ما أمكنهم ذلك.
فيبذلون في سبيل ذلك المال والجهد والوقت، ويسخِّرون لوبياتهم المختلفة؛ انطلاقا من وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، ومرورا بالندوات والمحاضرات التي تحيي في المغاربة النعرات القبلية والعصبية الطائفية على مذهب الظهير البربري الفرنسي، وعلى مذهب “فرِّق تسد” كذلك، وانتهاء بفتنة المسلم في دينه وإذعانه واستسلامه لشبهاتهم وشهواتهم التي يروجون لها صباح مساء دون رقيب ولا حسيب ينطق فيقول لهم: “اللهم إن هذا منكر”!!
ويجعلون من أجل الوصول إلى مقصودهم وغايتهم مداخل شتى تتنوع حسب الظروف والزمان والمكان الذي يعيشه المسلمون في أنحاء العالم، ومن بين تلك المداخل مدخل اللغة، وما يفعلون ذلك إلا لعلمهم بأن أحسن السبل لكي يخلقوا قطيعة بين المسلم وبين دينه وثقافة أمته وتراث أسلافه وعلمائه، يكمن في خلق صدع واسع وهوة شاسعة بينه وبين كل ذلك، عن طريق تغريبه عن لغته، وإبعاده قدر الإمكان عن ثقافته الأم وعن دينه الحق.
وقد علم خطورة ذلك من لهم غيرة على هذه الأمة؛ ويحرصون على مصلحتها ومنفعتها؛ من بينهم الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله تعالى عندما كشف اللثام عما قد يكون حبيس العقل أو جنين الفكر عند من تغيب عنه خطورة الوضع اللساني الذي نعيشه فقال:
“وهذا هو مفتاح الأصول كلها، وباب العلوم جميعها، وبغير إتقانه لا يكون بدء ولا يكون وصول، ولنا فيه ها هنا بعض البيان والتفصيل؛ لما له من خطورة متعدية إلى غيره، ولما دخله من الدس والإفساد في العصر الحاضر؛ بقصد تقويض صروح التراث الإسلامي، وقطع صلة المسلمين به، وجهل كثير من طلبة العلوم الشرعية، وبعض (أهل العلم) بالشريعة؛ بخطورة ما نحن فيه من وضع لساني رهيب، وما يترتب عن ذلك يوميا من فساد في الدين، فهما وتنزيلا”. (مفهوم العالِمية، للدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، ص: 123-124).
ولما كان الوضع كذلك عند طلاب العلوم الشرعية بله عند غيرهم، وجب علينا أن نذكر بخطورة الأمر وأن ندق ناقوس الخطر؛ عسى أن تستيقظ الأمة فتعي المكائد التي تدبر لها في خفاء تام، وفي غفلة عن أنظار الشعب المغربي الطامح لمجده المسلوب.
ولا مجد ولا حضارة ولا تنمية إلا عن طريق اللغة الأم التي تجمع الشعب المغربي كله وجميع إخوانه من المسلمين في كل أقطار العالم حولها، وهي اللغة العربية، ومن هنا أتت صيغة العنوان بأن جعلته على سبيل الجمع “لغتنا”، لا على سبيل الطائفية أو العصبية أو القومية، بأن أقول: “لغتي”.
فما معنى إذًا أن نعيش في رحاب دولة مغربية دينها الإسلام وهو المصدر الوحيد للتشريع في البلاد؛ والدستور المغربي نص بشكل واضح على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، في وقت أغلب الوثائق الإدارية تكتب وتتداول باللغة الفرنسية، فوا عجبا من زمن المتناقضات!!
والأدهى والأمر من ذلك كله هو ما يعيشه مجتمعنا من مشاكل تواصلية ظهرت جراءها “العرنسية” وهي عبارة عن خليط بين اللغة العربية واللغة الفرنسية.
وإياك أن تظن أخي القارئ العزيز أنَّ ما حدثتك عنه سابقا يلغي تعلم اللغات الحية أو إقصاءها وإهمالها، لا أبدا، وإنما القصد عندنا أن نلفت نظرك شطر لغةٍ نزل القرآن الكريم بها؛ وتحدث بها رسول البشر كافة وخير خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأن نُسمع صوتنا كل غيور صادق يحمل هم هذه الأمة؛ ويحمل هم هويتها وثقافتها وتاريخها.
وأن نقول لمن تسول له نفسه الإفساد الذي يراد منه تقويض صروح الثقافة الإسلامية، أو التي يرام منها حجب الأمة عن مجدها وصدها عن حضارتها، إن اللغة العربية محفوظة بحفظ الله تعالى لكتابه، فأي تهديد قد يمس أو يستهدف لغتنا العربية الحبيبة من شأنه أن ينذر بقدوم عاصفة هوجاء تحصد هذه الأمة الإسلامية بثقافتها وحضارتها عن بكرة أبيها، ولكن قدر الله سبحانه وتعالى حفظ كتابه بتسخيره لثلة من خلقه، فالقرآن نزل باللغة العربية فهي محفوظة به، بحيث يقيض الله تعالى في كل زمان رجالا يذبون عن لغة القرآن الكريم ويحمونها.
وأجلُّ خدمة يمكننا أن نقدمها للغتنا العربية هي أن نعيد إحياء حركة التصحيح اللغوي في أرجاء ربوع وطننا العربي والإسلامي الكبير، وفي مختلف وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، وكذلك على مستوى الشبكة العنكبوتية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك؛ تويتر) وغيرهما، والتي من شأنها أن تحفظ اللغة العربية من الخطأ والغلط فيها، وأن تسهم بشكل كبير في انتشار الثقافة العربية والإسلامية بمختلف الأقطار والأمصار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *