لقد تبيَّن بالدليل القاطع أن ما يقوم به الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من وراء الكواليس لإحباط الثورة المصريَّة والحيلولة دون تحقيقها أهدافها أكبر بكثير مما يتوقَّعه المرء، واللافت أنه يتكشَّف كل يوم حجم الجهود التي تُبذل في السرّ وبعيدًا عن الأنظار للقضاء على الأحلام العربيَّة التي تفجَّرت في أعقاب اندلاع الثورة، وقد بات في حكم المؤكَّد أن القلق الصهيوني لا يتوقَّف عن تأثير الثورة المصريَّة على الداخل المصري، بل أن هناك قلقًا أكبر أن يمتد تأثير الثورة المصريَّة ليؤثر على البيئة الإستراتيجيَّة للصهاينة بشكلٍ شامل، ولقد واصل وزير الحرب الصهيوني الأسبق بنيامين بن إليعازر ندب حظ “إسرائيل” بعد أن فقدت صديقها وحليفها حسني مبارك، لدرجة أنه اعتبر أن “استكمال التحوُّل الديمقراطي في العالم العربي يشكل تحديًا وجوديًّا لإسرائيل”.
اللافت أنه في الوقت الذي وجّهت حكومة نتنياهو الإهانة تلو الإهانة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، فإن شغله الشاغل بات الحرص على ألا تؤثِّر الثورة المصرية على مصالح تل أبيب في المنطقة، فقد كشف التليفزيون الصهيوني النقاب عن أن الإدارة الأمريكيَّة أبلغت رؤساء المنظمات اليهوديَّة في الولايات المتحدة بأنها تبذل جهودًا هائلة من أجل ضمان مواصلة مصر ليس فقط التزامها باتفاقيات كامب ديفيد، بل التعاون الأمني الكثيف الذي كان قائمًا في الماضي بين تل أبيب والقاهرة، والذي كان يتمُّ أحيانًا بمشاركة أمريكيَّة، ولم تكتفِ الإدارة الأمريكيَّة -حسب المصادر الأمريكيَّة- بالضغط المباشر على قيادة الجيش المصري، بل تعدَّاه إلى حد الطلب من المجلس العسكري الأعلى الذي يتولَّى مقاليد الأمور في القاهرة بأن يضغط على الأشخاص الذين يرغبون بالترشُّح إلى الرئاسة وعلى الأحزاب التي تنوي المشاركة في الانتخابات التشريعيَّة القادمة بأن يعلنوا بشكلٍ واضح لا لبس فيه التزامهم بالاتفاقيَّات الموقَّعة مع الكيان الصهيوني دون المطالبة بأي تغيير، إلى جانب نقل موضوع التعاون الأمني بين الصهاينة ومصر من صلاحيات الحكومة القادمة إلى صلاحية الجيش المصري.
وحسب هذه المصادر فإن الإدارة الأمريكيَّة تضغط بقوَّة من أجل تحييد رأي بعض الجنرالات المصريين الذين يتحفظون على المطالب الأمريكيَّة، والذي يجعل هذه التسريبات دقيقة: أن التليفزيون الصهيوني قد عرض تقريرًا مصورًا يظهر فيه دينس روس مستشار الرئيس أوباما وهو يلتقي مجموعة من النشطاء اليهود الأمريكيين، حيث قال لهم أن الإدارة الأمريكيَّة توظِّف كل ثقلها حاليًا في محاولة بلورة الواقع المصري المستقبلي بحيث لا يشكِّل خطرًا على المصالح الأمريكيَّة والصهيونية.
وحسب روس فإن الولايات المتحدة توظِّف كل مؤسساتها التي تحتفظ بقنوات اتصال مع الجيش المصري من أجل الضغط على قادة الجيش لبلورة البيئة الداخليَّة المصريَّة بشكلٍ لا يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكيَّة والصهيونية.
حرمان معسكر الممانعة من النقاط
لكن الكيان الصهيوني معنيّ بألا تستفيد الجهات التي تشكِّل محور الممانعة في العالم العربي من نتائج الثورة المصريَّة، وقد تبيَّن أنه قد تَمَّ إنجاز ورقة عمل من قبل الأجهزة الاستخباريَّة الصهيونية والمؤسسات السياسيَّة في الكيان الصهيوني من أجل تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع الولايات المتحدة، فقد كشفت مصادر صهيونية النقاب عن أن كلاًّ من ديوان رئيس الحكومة الصهيونية ومجلس الأمن القومي في تل أبيب قد بلورا بالتعاون مع جهازي الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة بـ “أمان”، ومركز الأبحاث التابع لوزارة الخارجيَّة الصهيونية تصورًا شاملا يهدف لتلافي “الأضرار الاستراتيجيَّة” التي قد تنجم عن الثورة المصرية، حيث سيتمُّ تقديم هذا التصور للإدارة الأمريكيَّة بهدف تبنِّيه والاستناد إليه في تعاطيها مع الشأن المصري مستقبلا.
ونقل راديو “عروتس شيفع” الصهيوني عن المصادر قولها أن التصوُّر يركِّز على قضية واحدة، وهي ألا تؤدي الثورة المصريَّة بحالٍ من الأحوال إلى الإخلال بموازين القوى التي كانت قائمة بين قوى الاعتدال في العالم العربي والقوى التي يصفها التصور بـ “المتطرفة”، ويشير التصور إلى حقيقة أن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك قد كان يشكِّل العمود الفقري لمحور الاعتدال في العالم العربي.
ويبدي مبلورو التصور قلقًا كبيرًا من حقيقة أن كلا من حركة حماس وحزب الله الشيعي شعرا بأن الثورة المصريَّة تصبُّ في صالحهما، حيث يطالب مبلورو التصور بأن تضغط الإدارة الأمريكيَّة على صناع القرار في مصر حاليًا لكي لا تبدي القاهرة أي “إشارات إيجابيَّة” تجاه كل من حماس وحزب الله، ويرى مصممو التصور أن تحقيق هذا الهدف يتطلب الإجراءات التالية:
أولًا: أن تواصل مصر نفس السياسة المتَّبعة تجاه حركة حماس وقطاع غزة، سيما في فرض القيود على حركة الغزيين عبر معبر رفح.
ثانيًا: عدم السماح بالخروج عن دائرة التعاطي السياسي السابق بين مصر وحركة حماس، بحيث يشعر الرأي العام الفلسطيني أن ما حدث في مصر “لا يشكِّل بالضرورة إضافة إيجابيَّة” لحركة حماس والجهات التي تلتقي معها.
ثالثًا: أن تواصل مصر نفس تعاطيها مع الملف اللبناني وعدم إحداث أي تغيير على علاقاتها مع المكونات السياسيَّة اللبنانيَّة.
ما تقدم يدلِّل بشكلٍ واضح على حجم المكائد التي تنصب للثورة والثوار في مصر، وهذا يوجب على الجميع ألا يغفوا أثناء الحراسة، فالمكر كبير وهناك إصرار أمريكي صهيوني على توظيف كل المقدرات المشتركة بين الجانبين من أجل إحباط الثورة وعدم تمكنيها من تحقيق أهدافها.