أثار قرار سلطات وزارة الداخلية حظر بيع النقاب في عدد من مدن المملكة استياء عارما لدى عدد من المتتبعين.
فإذا كان بعض شواذ العلمانيين قد فرحوا بالقرار وطبلوا له، وعقروا مبادئهم ودفاعهم المستميت عن الحرية عند عتبة هذا النقاش، فإن عموم المواطنين المشاركين في الموضوع، والمعبرين عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، قد شجبوا القرار واستنكروه وطالبوا وزارة الداخلية بمراجعة قرارها المرتجل الذي يكرس الإقصاء والاضطهاد.
دعونا نكن صرحاء مع أنفسنا، هل يعرقل النقاب الحياة العامة، أو شيئا من هذا القبيل؟ هل شاركت منتقبة واحدة في عملية إرهابية؟ هل النقاب دخيل فعلا على المجتمع المغربي؟ ومن يزعجه النقاب أصلا..؟
المنتقبات شخصيات مسالمة وعادية ومتعايشة، ولباسهن لا يزعج إلا فئة قليلة وهي معروفة لدى الجميع.
هذه الفئة لم تخرج وتطالب يوما بمنع أي لباس، حتى لباس “بابا نويل” عقب المجزرة الأخيرة التي عرفتها تركيا وسقط جراءها زهاء 40 شخصا ضمنهم مغاربة.
المؤسف هو أن تقف السلطات، الذي من المفترض أنها تلتزم الحياد، في صف المتطرفين العلمانيين، وتمنع بيع النقاب لأسباب لا يمكن لأحد تصديقها.
ودون الدخول في نقاش فقهي محسوم سلفا، نحن إذا استنطقنا التاريخ وسألناه عن اللباس الذي كانت ترتديه المرأة المغربية طيلة أربعة عشر قرنا؛ أخبرنا أن النقاب والحايك هو اللباس الوحيد الذي كانت تعرفه المرأة في المغرب؛ وقبل سنة 1342هـ/ 1924م كان الحجاب التام والسابغ لكل بدن المرأة هو الأصل في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وعندما ألقى الشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي صاحب كتاب “الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي” محاضرته عن تعليم الفتاة في المغرب سنة 1925م اعترض عليه كثير من العلماء آنذاك ظانين أنه يدعو إلى السفور وكشف الوجه؛ لما رأوه من ارتباط تعليم الفتاة بسفورها في دول المستعمرين؛ مما دعاه إلى إلقاء محاضرة أخرى بعنوان (تعليم الفتيات لا سفور المرأة) قال فيها: (إني أعلم أن الذين أنكروا علي الحث على تعليم البنات لهم قصد حسن، وغيرة حملتهم على ذلك). وقال: (ولما كان تعليم الفتيات قد تعارض عند بعض الناس بمسألة سفور المرأة؛ لسبب سأبينه فيما بعد، لذلك نبهت على ذلك في أول كلمة؛ إزالة للبس وإذهابًا لظلام المخالطة). ثم شن حملة قوية على دعاة سفور المرأة في العالم الإسلامي؛ من أمثال: قاسم أمين والطاهر الحداد وغيرهما.
يجب أن نعلم أن قضية النقاب وما يدور حولها اليوم من نقاش وجدال لا علاقة له بالحكم الفقهي الدائر بين الوجوب والاستحباب، ولكنها قضية عقدية مصيرية ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة.