تحريم قتل النفس التي حرم الله بغير حق

اعتداء الإنسان على أخيه الإنسان من أعظم الكبائر إثماً وأشدها تحريماً، وقد جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، تحذر من ذلك تحذيراً شديداً. 

قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ الإسراء.
وفي هذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة، مؤمنةً كانت أو معاهدةً إلا بالحق الذي يوجب قتلها مما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. (تفسير القرطبي 7/133).
وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً النساء.
وقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً النساء.
ولقد قرن الله تعالى القتل بغير حق بالشرك بالله في غير ما آية من كتابه، كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً الفرقان.
قال ابن حزم رحمه الله رحمه الله: (لا ذنب عند الله عز وجل بعد الشرك أعظم من شيئين. أحدهما: تعمد ترك صلاة فرض حتى يخرج وقتها. والثاني: قتل مؤمن أو مؤمنة عمداً بغير حق) المحلى 10/342-343.
بل لقد جعل الله قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعاً وإحياءها كإحياء الناس جميعاً. فقال سبحانه: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً المائدة.
وأما الأحاديث في تحريم القتل وعاقبة من فعل ذلك فكثيرة جداً ومنها:
حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) البخاري ومسلم.
قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار 7/197: (ففي هذا الحديث تغليظ أمر الدماء وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، وذلك لعظم أمرها وشدة خطره).
وقال ابن حجر رحمه الله في الفتح 11/397: (في الحديث عظم أمر الدم. فإن البداءة إنما تكون بالأهم. والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة. وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فُسْحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً) البخاري.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) البخاري.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتْل مؤمنٍ بغير حق) ابن ماجة.
وفي هذا الحديث تغليظ أمر القتل وتهويل شأنه.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (كلّ ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يقتل المؤمن متعمداً، أو الرجل يموت كافراً) أبو داود.
ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر في تعظيم الدماء، وبيان خطرها بل أكد حرمتها وغرس في النفوس إجلالها وتعظيمها، بمقارنتها بما أجمع المسلمون على إجلاله وتعظيمه، وهو البلد الحرام والشهر الحرام وكان ذلك في يوم مشهود، ومكان مبارك، ومجمع عظيم شهده ما يزيد على مائة ألف مسلم، حين خطب الناس يوم النحر بمنىً في حجة الوداع.
ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (ألا أي شهر تعلمونه أعظم حُرمة؟ قالوا ألا شهرنا هذا.قال: ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا بلدنا هذا. قال: ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا. قال: فإن الله تبارك وتعالى قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرْمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا. ألا هل بلغت ثلاثاً؟ كل ذلك يجيبونه: ألا نعم. قال: ويحكم، أو ويلكم! لا ترجعنّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً) البخاري.
قال ابن عبد البر في التمهيد 24/233-234: وقد أجمع العلماء قاطبة على تحريم الغدر.اهـ
بل قد دلت السنة النبوية أن التعدي على الحيوان بإزهاق روحه ظلماً وعدواناً جريمة يستحق فاعلها دخول النار؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض) أي هوامها وحشراتها.
وفي رواية لهما: (عذّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار. لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) البخاري ومسلم.
فإذا كانت هذه عقوبة قتل الحيوان بغير حق، فكيف بقتل الآدمي المعصوم، وكيف بالمسلم وكيف بالتقي الصالح؟! (فتح الباري 12/189).

(السبيل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *