تقصي المرجعية العلمانية الدين وتحول دونه والتدخل في اللباس، وأكثر من ذلك تعد من فعله داخلا في دائرة التخلف والنكوص، كما أن هذه المرجعية المادية لا تعترف إطلاقا أن الأصل في الإنسان هو اللباس الساتر، وأن آدم وحواء عليهما السلام لما خلقهما الله تعالى في الجنة أنعَمَ عليهما بلباس، وبعد وقوعهما في المعصية بَدَت لهما سوءاتهما ففزعا إلى الستر الذي هو الأصل، كما أخبر بذلك كتاب الله تعالى: “فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ”.
فالمرجعية العلمانية لا تقبل بذلك لأنها تنطلق من العقيدة الداروينية التي تقول أن الإنسان أصله العري من أجل ذلك وجب عليه التصالح مع جسده وعدم الخجل من هذه الحالة.
أما المرجعية الإسلامية فهي واضحة في هذا الباب وتراعي بدرجة دقيقة غرائز الجنسين، وتضبط المجتمع من الانحراف والوقوع في المحظور بوضع شروط دقيقة للباس.
من أجل ذلك نهت الشريعة عن كشف العورات وإظهار المفاتن وإبداء الزينة، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا، وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ، ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}، وقال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا}، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسور بن مخرمة وهو رجل قد انكشفت عورته قال له: “ارجع إلى ثوبك فخذه، ولا تمشوا عراة”. البخاري ومسلم، ولم يخل كتاب فقه في المذاهب الإسلامية كلها من كتاب اللباس.
فاللباس وأنواعه وأشكاله هوية وانتماء؛ من أجل ذلك قال برنارد لويس: اللباس يعبر “عن الهوية والانتماء، فكأن الناس حين يغيرون ملابسهم ويرتدون ملابس مجتمع آخر يكونون قد اتخذوا خيارا ثقافيا معينا، وكان قبول اللباس ومقاومته يستندان إلى هذه الدلالة” اهـ.