لماذا اخترنا هذا الملف؟

لقد وضع الله سبحانه في كل كائن حي غريزة تضمن تكاثره وتناسله حتى لا ينقرض ويفنى بالكلية إنها غريزة الجنس، هذه الغريزة هي شهوة كباقي الشهوات لا بد من اشباعها، إلا أن الله سبحانه وتعالى خص الإنسان خلافا للخلائق التي سخرها له بقيود وحدود تكفل تصريف هذه الشهوة بالطريقة التي تعلي من قدره وتحقق له التكريم الذي ارتضاه له مع ما جبله عليه من الأحاسيس والعواطف كالغيرة والغضب و… والإنسان كلما تعدى هذه الحدود وكسر تلك القيود إلا وحكم على نفسه بالتردي في حمأة التفسخ والانحلال ليجني بعدها الأمراض المختلفة والبلايا المتنوعة والرزايا المتعددة.

إلا أننا نعتقد أن انحراف الإنسان إلى حضيض المعاصي وخصوصا الزنا لا يقع إلا بعد تهميش حراس الفضيلة ومنعهم من تأدية واجب التوجيه والنصح وتقديم الذين يتبعون الشهوات وتمكينهم من الإمكانات والوسائل التي ينشرون بها مذاهبهم ويبثون بواسطتها أفكارهم.
إن مجتمعا كمجتمعنا مازال عهده (بالحايك) و(النقاب) قريبا، لا يمكن أن تتفشى فيه الزنا وتصبح منظمة في شكل بغاء، إلا إذا كان أبناءه موضوع تخطيط يستهدف إماتة الأخلاق المانعة لهم من الوقوع في الرذائل، وينشر حول مفاهيمها شبهات تجعل من تنطلي عليه يرى في العري أناقة وجمالا، وفي الزنا حرية فردية، وفي تقنين الدعارة اقتحام المسكوت عنه الذي كان يقضى في الخفاء.
يعترف الإسلام بالغريزة الجنسية ويوجهها، لكن لا يترك للإنسان حرية التصرف كاملة بلا ضابط فيكون هملا كالحيوان، بل حد الحدود ووضع القيود على تصريف وممارسة هذه الغريزة، فالله الذي بث في الإنسان غريزة الجنس (شهوة الجماع) وحب النساء والميل إليهن، هو من أوجب عليه أن يكون من {الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}، المتجاوزون إلى ما لا يحل لهم، المعرضون أنفسهم لعقاب الله وسخطه.
إن إشباع الغريزة التي أودعها الله في الإنسان عبر القنوات الشرعية لا يعد مشكلة، بل هو عبادة وقربة للمسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: “وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟‍! قال صلى الله عليه وسلم: “أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟” قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر”.
إنّ العرف السائد اليوم يخالف الأصول الإسلامية في كثير من الجوانب، فكل الكلمات التي لها علاقة “بالجنس”، أو بالاختلافات الفزيولوجيّة بين الرجل والمرأة مصادرة وتكاد تكون حكرا على دعاة الرذيلة الذين يقتحمون هذا المجال بكل ضراوة بدعوى إخراج المخبوء والمسكوت عنه، غير مراعين في ذلك الجانب الشرعي والآداب الإسلامية، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإلقاء وابل من الشبهات والافتراءات الكاذبة حول العلماء والدين ووسمه بإغفال وتجاهل معالجة المواضيع الجنسية والدعوى إلى كبتها.
علما أن كتب التفسير والحديث والفقه والآداب وغيرها حافلة بمثل هذه المواضيع، ولا يخل مرجع فقه من كتب النكاح، فالعلماء لم يمنعوا الحديث عن هذا الموضوع كما يدعي المرجفون، بل أجازوه ما دام في إطار العلم والتعليم، ولم تعتبره خدشا للحياء، بل تحديدا وتوجيها للإطار الذي يجب أن تصرف فيه الشهوة. أمَّا ما يُعرض عبر وسائل الإعلام من الأفلام والمسرحيات والأغاني و”الكليبات” والأشرطة والأقراص والمواقع الإباحية، هو الخطر الحقيقي الذي لا يهدم الحياء فحسب، بل ينخر تماسك المجتمع ويذهب بأخلاقه وأدبياته وسلوكياته.
إن النظرة المتوازنة للشهوة هي الأصل في الإسلام؛ لأن الشهوة شيء لا يمكن وسمه بالسوء مطلقًا ولا الحسن مطلقًا، بل تختلف من شخص لآخر حسب تعامله معها، لكن الخلل تولَّد من جانبنا نحن، عندما ضخمنا المشكلة فوق حجمها الطبيعي الذي ينبغي أن تأخذه؛ حتى غطت على جميع المشكلات الأخرى، وبالتالي عاش داخلها الشباب والفتيات وشغلت عقولهم وتفكيرهم، ولو أننا نظرنا إليها كما نظر إليها سلفنا الصالح بوسطية واعتدال؛ لانكشفت الحقيقة، وذهبت الحيرة، وزال الخوف منها في الحال.
لقد حذر كثير من علماء الغرب من خطورة شيوع الجنس، وبينوا انعكاساته السلبية على الإنسان والمجتمع والحضارة، وكتب “جيمس رستون” في صحيفة (النيويورك تايمز) محذرا: “إن خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية المطاف أكبر من خطر الطاقة الذرية..”، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تصرف 15 مليار دولار سنويًا لعلاج الأمراض المنتقلة جنسيا، وأصبح الغرب يعاني اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا جراء لَبرَلة الجنس.
ولتجلية الصورة حول هذا الموضوع الحساس والخطير، وبيان من ينظر لإشاعة الجنس ويعمل على التمكين له في المجتمع، اخترنا هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *