لماذا اخترنا الملف؟

بات النقاش اليوم حول دفاتر التحملات حديث العام والخاص، فقد أثارت هذه الدفاتر ضجة واسعة سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي أو الحقوقي.
فوفقا لما نصت عليه المادة 49 من القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري؛ فالحكومة تقوم بإعداد دفاتر التحملات وتصادق عليها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وتنشر بالجريدة الرسمية.
وتؤكد نفس المادة أن دفاتر التحملات تحدد التزامات الشركات الوطنية للاتصال السمعي البصري العمومي، ولا سيما منها تلك المتعلقة بمهامها في إطار المرفق العام، وهذا عين ما قام به السيد وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي.
بل أكثر من ذلك فقد قام الوزير بالانفتاح على كل المتدخلين في المجال الإعلامي من نقابات وشركاء مهنيين ومتخصصين في مجال الإعلام؛ وتمت استشارة حوالي 40 هيئة وجهة؛ ليدلوا بدلوهم في هذا الإطار ويساهموا بشكل فعال في إعداد هذه دفاتر.
إلا أن دفاتر الوزير عورضت بشدة من طرف مسؤولين بارزين في القطب العمومي؛ ظلوا سنين عديدة مسيطرين على هذه المناصب؛ حيث اعتبر المدير العام للقناة الثانية سليم الشيخ أن دفاتر التحملات أهانت العاملين والمهنيين في القناة؛ وأكدت سطيل مديرة قسم الأخبار بالقناة نفسها أن هذه الدفاتر قتل ممنهج للقناة.
في حين أعربت النقابة الأكثر تمثيلية في القناة الثانية التابعة للاتحاد المغربي للشغل في شخص كاتبها العام أنه “لا حق لسليم الشيخ أن يتحدث باسم العاملين في القناة”، وأن النقابة تؤيد دفاتر التحملات والطريقة التي أعدت بها؛ وانفتاحها على النقابات والمختصين في مجال الإعلام؛ ومراعاتها قواعد الحكامة الجيدة في إبرام الصفقات والتعيينات.
وأكد إعلاميون في القناة الثانية أنها المرة الأولى التي يتم فيها استشارة الإعلاميين في هذا المجال؛ وأن دفاتر التحملات في سابق العهد كانت تفرض من قبل وزير الاتصال ومدير القطب العمومي ومدير القناة الثانية، ولا يستشار في خصوصها أحد.
والظاهر أن الصراع حول دفاتر التحملات ليس في جوهره -كما يسوق الإعلام ذي المرجعية العلمانية- صراعا حول بث الأذان في الصلوات الخمس؛ أو النقل المباشر لصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وبعض النشرات الإخبارية باللغة العربية إلى غير ذلك؛ إذ هو في أساسه صراع مرجعية وصراع مصالح اقتصادية وسياسية.
فحسب ما صرح به مختصون وباحثون في المجال السياسي والإعلامي والاقتصادي فإن كل من سليم الشيخ وفيصل العرايشي وسميرة سطيل ما هم إلا دمى يحركهم من خلف الستار لوبي نافذ استطاع منذ 2001 أن يبسط نفوذه التام على الإعلام العمومي؛ ويجعل منه إعلاما مخزنيا بامتياز.
وقد ثبت للرأي العام بلغة الأرقام درجة الفساد التي بلغها هذا القطاع؛ وطالت العديد من الهيئات والجهات بضرورة إصلاح المنظومة الإعلامية وفق حكامة جيدة تُراعَى فيها شروط الشفافية والعدالة، ذلك أن إعلامنا العمومي وخاصة القناة الثانية 2M أصبحت ماخورا من مواخير الفساد.
ولا نظن مواطنا تخفى عليه هذه الحقيقة؛ وحتى نقرب الصورة أكثر إلى القارئ الكريم؛ نقول أن ما تقوم به القناة الثانية من تخريب لمنظومة القيم والأخلاق من خلال برامج يندى لها الجبين كـ(ستوديو 2M) و(مدام مسافرة)؛ وأفلام مكسيكية وتركية؛ ونقل مهرجانات وحفلات موسيقية ساقطة (موازين؛ شاكيرا العارية المتهتكة مؤخرا)… كل ذلك لا يقل خطورة وجرما عما تقوم به هذه القناة على المستوى الفكري والأيديولوجي.
حيث تقدم هذه القناة العمومية للمغاربة والمشاهدين عموما صورة مغلوطة تماما عمن يخالف المنظومة العلمانية؛ وتستغل الأحداث التخريبية التي تشهدها المملكة بين الفينة والأخرى لتقفز عليها وتُصفِّي حساباتها مع مخالفيها؛ وتمرر العديد من مشاريعها الرامية إلى إقرار العلمانية ومحاصرة الشريعة الإسلامية!
فالقناة الثانية مؤسسة عامة من المؤسسات التي تمول من المال العام المحصل من جيوب المواطنين دافعي الضرائب، هؤلاء المواطنين الذين يريدون من هذه القناة أن تعبر عن قناعاتهم الدينية وهويتهم الإسلامية، وأن تكون العين الساهرة التي تدافع عن حقوقهم المدنية..
لكن العكس هو الحاصل، فهي تروج لفكر أحادي هو الفكر العلماني، كما أنها تخدم الثقافة الفرانكفونية التي اتخذتها القناة الثانية رسالة لها تدافع عنها وتروج لها منذ بثها التجريبي والمشفر.
وحتى ننقل للقارئ الكريم ألوانا من الفساد الإعلامي في القطب العمومي؛ وفي القناة الثانية خاصة؛ ونجلي الصورة حول حقيقة الصراع الدائر اليوم حول دفاتر التحملات ارتأينا فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *